سينقـلب مسـار الأمور على رأس شارون في الضفة الغربية

رام الله - فتحي درويش
 "النهار"
الاثنين 12 أيلول 2005
قال مصطفى البرغوثي سكرتير المبادرة الوطنية: إن خطة الفصل لا يمكن أن تؤدي إلى تطبيق خريطة الطريق الأميركية، ما دام شارون يقوم بتوسيع المستوطنات حول معاليه أدوميم وتقسيم الضفة، وأضاف: أن خطة خريطة الطريق لن تطبق إلا بضغط دولي هائل على إسرائيل.
الدكتور البرغوثي أجاب عن أسئلة "النهار":
* ما رأيك بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة والتغطية الإعلامية  التي رافقت إخلاء المستوطنين؟
- لا يوجد انسحاب من قطاع غزة، وكلمة انسحاب هي خطأ كبير تواصل وسائل الإعلام الدولية عن قصد، بتأثير إسرائيلي، ووسائل الإعلام العربية أيضا عن جهل، لأنها وقعت في فخ الإعلام الإسرائيلي استخدامه.
كل التغطية الإعلامية لما جرى في غزة هي نموذج لهيمنة الرؤية الإسرائيلية على الإعلام الغربي وحتى العربي، وهذا مؤسف جدا رغم صراخنا المتواصل من اجل تبديل ذلك، حتى في حجم الأشخاص الذين جرت معهم المقابلات وطبيعتهم، وهناك توجه لتغذية رؤية واحدة لا غير وهي المبالغة والإفراط في حقيقة ما يجري والتقليل من حجم التحديات التي تمثلها عملية إعادة الانتشار.
الذي جرى هو مجرد إعادة انتشار، لان الانسحاب يعني سيادة فلسطينية كاملة على المعابر والبر والبحر والجو ويكون  هناك تواصل واضح بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وكل ذلك لم يتحقق حتى هذه اللحظة.
* ما هي أهم المخاطر المترتبة على ذلك؟
- المخاطر والتحديات التي نواجهها هي أولا أن لا تتحول غزة إلى  سجن كبير محاط بالأسوار من كل جانب. وحتى هذه اللحظة أنا التقيت بكل المبعوثين الدوليين وممثلي الرباعية ولم يذكر لي احد منهم  أن إسرائيل قد تراجعت قيد أنملة عن إصرارها على الإشراف على عبور السكان والبضائع.
الأمر الثاني هو فصل غزة عن الضفة الغربية بهدف تقليل الوزن الديموغرافي للوجود الفلسطيني، وإضعاف المقدرات الفلسطينية ومسخ فكرة الدولة المستقلة بتحويلها إلى مجرد  " بانتوستان" في غزة، وهذا الخطر كبير وحقيقي. وللأسف الشديد ليس هناك وجهة لإبراز ما تقوم إسرائيل به الآن في الأراضي الفلسطينية، مستغلة ما يجري في غزة لتعزيز الاستيطان في الضفة وبناء جدار الفصل العنصري.
من الواضح أن خطة شارون هي فصل غزة عن الضفة وتدمير فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة الحقيقية، والاستيلاء على 58% من مساحة الضفة من خلال الاستيطان وضم القدس بالكامل وتهويدها.
أي أن شارون تنازل عن مستوطنات غزة من اجل أن يحسم قضايا الحل النهائي الأربع، بفرض قوة الأمر الواقع الإسرائيلي وجدار الفصل العنصري.
* ما هي تأثيرات ذلك على مستقبل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي؟
-  يمكن أن تسير الأمور باتجاهين. الأول إما أن يكون تفكيك المستوطنات في غزة سابقة أولى تجري لأول مرة في تاريخ الحركة الصهيونية في فلسطين، حيث اضطرت إسرائيل لأول مرة لتفكيك مستوطنات أنشئت على أراض فلسطينية منذ بداية القرن، وبالتالي يمكن أن تكون سابقة تستخدم من اجل الضغط لتفكيك باقي المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، باعتبار أن طابع الاستيطان الصهيوني هو واحد، ما ينطبق على غزة ينطبق على الضفة.
والثاني أن تستغل إسرائيل ذلك من اجل ضرب النضال الوطني وإثارة  الخلافات والانقسامات الداخلية بين الفلسطينيين، واستغلالها للإيحاء بأنهم غير قادرين على إدارة شؤون أنفسهم في دولة مستقلة.
الاحتمالان قائمان، وأنا أرى أن اللحظة السياسية مناسبة لانتزاع زمام المبادرة من يد شارون، من خلال ثلاث خطوات:
اولاً: الإصرار على إجراء الانتخابات التشريعية الديموقراطية في مواعيدها دون تأجيل، بمعنى حل الخلافات الداخلية وضمان الوحدة الوطنية.
ثانيا: المطالبة الفورية بعقد مؤتمر دولي للسلام لبحث جميع ملفات الحل النهائي، وإجبار إسرائيل على اتخاذ خطوات في إطار دولي وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية.
ثالثا: توجه السلطة الفلسطينية فورا متسلحة بقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهذا ما طالب به الآلاف من أبناء المبادرة الوطنية، إلى الأمم المتحدة لاستخدام آلية حفظ السلام وفرض عقوبات على إسرائيل إذا لم ترتدع وتزيل الجدار العنصري.
للأسف الشديد موقف السلطة الفلسطينية هو موقف الجالس في مقعد ردود الأفعال، الذي يحاول أن يثبت حسن النوايا طوال الوقت للجانب الأميركي، وهذا لا يقود أبدا إلى انتزاع زمام المبادرة. يجب على السلطة أن تغادر هذا المقعد وتتعاون معنا جميعا من اجل انتزاع زمام المبادرة من يد شارون، وإلا فان المخاطر على القضية الفلسطينية كبيرة جدا.
* على ضوء ذلك ما هو مستقبل الضفة الغربية؟
- الضفة الغربية سوف تكون ساحة الكفاح الشعبي المتواصل ضد جدار الفصل العنصري وضد الاحتلال، ولن نهدأ وسنواصل هذا الكفاح بكل ما أوتينا من قوة حتى زوال الاحتلال عن كامل أراضينا المحتلة.
أنا اعتقد أن إسرائيل تحاول كسب الوقت، لكن الديناميكية التي يطمح لها شارون بشأن موضوعي الاحتلال والاستيطان، سوف تنقلب على رأسه ما دمنا سنواصل نضالنا وكفاحنا ونحن مصممون على ذلك.
* الأميركيون يعتقدون أن خطة الفصل يمكن أن تؤدي إلى تطبيق خارطة الطريق، ما رأيك؟
- كيف يمكن أن تؤدي إلى تطبيق خارطة الطريق ما دام شارون يقوم بتوسيع المستوطنات حول معاليه أدوميم وتقسيم الضفة؟ لن تطبق خارطة الطريق إلا بضغط دولي هائل على إسرائيل.
الآن الضغوط موجهة فقط باتجاه الفلسطينيين. فشارون يلقى الترحاب والمديح كما لو انه أصبح بطلا للسلام. دون ضغط دولي على إسرائيل لن يتم تطبيق خارطة الطريق التي تنص أصلا على وقف الاستيطان فورا وعقد مؤتمر دولي للسلام، وعلى هاتين النقطتين يجب أن يجري التركيز فورا.
* شارون يريد أن يستثمر ما جرى في غزة من اجل تطبيع علاقاته مع الدول العربية، ما رأيك؟
- أنا أقول انه سيكون من المؤذي والمشين أن يتم تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية قبل أن يتم إنهاء الاحتلال من كل الأراضي العربية المحتلة:  الضفة وغزة والقدس والجولان وإخلاء المعابر كافة.
* هل ستكون لخطة الفصل انعكاسات على الوضع الداخلي في إسرائيل، وخاصة داخل الليكود؟
- نحن نشهد بداية انهيار في الحركة الصهيونية وفي فلسفة الفهم المشترك لهذه الحركة وقاعدتها، وربما لأول مرة تصطدم إسرائيل بالواقع الأليم الذي لا تستطيع أن تتجاوزه، وهو عدم قدرتها على نفي الشعب الفلسطيني، ولأول مرة تضطر للقيام بخطوات صغيرة وتحاول أن تستخدمها لمنع قيام خطوات حقيقية. لكن  خطوة تفكيك المستوطنات ليست مزاحاً، وخصوصا أن الذي ساق المستوطنين إلى هذه المناطق هو نفسه شارون الذي يقوم بتفكيكها الآن، وبالتالي هذا دليل على اعتراف ذاتي إسرائيلي بالهزيمة من حيث عدم قدرة الحركة الصهيونية على ابتلاع كل فلسطين، وهذه نهاية طريق الأحلام البائسة حول إسرائيل الكبرى، لكنها ليست بعد بداية نهاية الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة.
* ما رأيك بالجدل الدائر حول سلاح المقاومة؟
- هذا موضوع داخلي فلسطيني، لم يعد له ضرورة، وهو ينتهي عندما ينتهي الاحتلال. المطالبة بتسليم السلاح دون أن يحظى الفلسطينيون بالحرية ودون الضمانات الأمنية اللازمة هو بمثابة انتحار.
بالتالي السلطة الفلسطينية يجب أن تفكر مليا فيما ستفعله، ويجب أن تدرك إننا ما زلنا في حركة تحرر وطني ولا تستطيع السلطة أن تحل محل حركة التحرير الوطني. بل العكس السلطة نفسها يجب أن تكون يقظة تماما إزاء الضغوط التي تجري من اجل تحويلها إلى حارس امني للاحتلال الأمر الذي يرفضه كل الشعب الفلسطيني.
إلى جانب الحوار الديموقراطي والانتخابات لا بد من إصلاح الأجهزة الأمنية إصلاحا جذريا، لان هذا على المدى البعيد سيساعد القوى  في أن توحد طاقاتها العسكرية، إذا تم إعادة هيكلة أجهزة الأمن الفلسطينية، بحيث تتوقف أن تكون فئوية فنكون عندها في خدمة كل الشعب الفلسطيني دون تمييز.