رام الله- فند الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، الوهم الذي تحاول إسرائيل تصويره، بأن ما يجري في قطاع غزة هو انسحاب، الأمر الذي وقعت فيه معظم وسائل الإعلام الغربية وبعض وسائل الإعلام العربية.
جاء هذا خلال مؤتمر صحفي عقده الدكتور البرغوثي في مقر المبادرة بمدينة رام الله، تطرق فيه كذلك، إلى سبل الخروج من الوضع الراهن، إلى جانب الوضع الداخلي وخطورته في ظل حالة الفلتان الأمني وعدم وجود تنظيم طبيعي للعلاقات الداخلية.
تفنيد الادعاءات الإسرائيلية
فبخصوص خطة "فك الارتباط" الإسرائيلية من قطاع غزة، بين الدكتور البرغوثي مدى قلة حجم الأراضي التي أعادت قوات الاحتلال،انتشارها منها، مقارنة بمساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال الدكتور البرغوثي، ان مساحة فلسطين التاريخية هي 27 ألف كيلومتر مربع، مساحة الضفة الغربية منها 5760 كيلومتر مربع أي 22%، وقطاع غزة 360 كيلومتر مربع، أي أن مساحته لا تتجاوز 1.3% من مساحة فلسطين التاريخية، و5.3% من مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 التي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأشار إلى وجود 152 مستوطنة معترف بها في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى عشرات النقاط الاستيطانية العشوائية، منها 101 مستوطنة بالضفة، و30 بالقدس الشرقية، في حين أن ما تم إخلاءه هو 21 مستوطنة في غزة، و4 مستوطنات في جنين، ما يعني استمرار وجود 127 مستوطنة، عدا عشرات النقاط الاستيطانية غير الرسمية.
كما بين ضآلة عدد المستوطنين الذين تم إخلائهم، موضحا أن 245 ألف مستوطن يقطنون في الضفة الغربية، و190 ألف آخرين يقطنون القدس، أي أن مجموع عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية هو 436 ألف مستوطن، في حين لا يتجاوز عدد المستوطنين الذين تم إخلائهم 8475 مستوطن.
وقال أن مستوطني غزة الذين تم إخلاءهم لا يمثلون سوى 2% من مجموع المستوطنين المقيمين في الضفة الغربية والقدس، وقد انضم عدد كبير منهم إلى مستوطنات معاليه ادوميم وارييل وغيرهـا. كما بين أن حجم المستوطنين الذين جاءوا خلال السنة الحالية إلى الضفة الغربية هو 12.800 مستوطن أي أن عددهم يفوق عدد الذين تم إخلائهم من غزة بـ 150% .
وتطرق الدكتور البرغوثي إلى التوسع الاستيطاني القائم على قدم وساق حاليا، إذ يتم بناء مستوطنات جديدة في قرية جبل المكبر والبلدة القديمة بالقدس، وما بين مستوطنة معالية ادوميم والقدس، إضافة إلى مستوطنة جديدة في قرية جيوس قرب قلقيلية، ناهيك عن التوسع المستمر في المستوطنات القائمة، وعدم وجود أي توجه سياسي إسرائيلي لإزالتها.
ليس انسحابا وإنما تفكيكا لمستوطنات
وبين الدكتور البرغوثي أن ما جرى ليس انسحابا وإنما تفكيكا لمستوطنات، لذلك فإن استخدام كلمة الانسحاب هو أمر خاطئ، إذ انه يعني إنهاء سيطرة إسرائيل على البحر والبر والجو وعلى المعابر من والى قطاع غزة، وانتقال السيادة لطرف آخر، وهو ما لم يحدث، إذ ما تزال إسرائيل تحتل المنطقة الشمالية من قطاع غزة بما في ذلك حاجز "ايريز"، علاوة على بقاء أجزاء كبيرة من شرق القطاع تحت الاحتلال الإسرائيلي، وإصرار إسرائيل على السيطرة على البحر والجو والممرات، وآخر ذلك نقل المعبر الرئيسي من رفح إلى المثلث القائم ما بين قطاع غزة ومصر وإسرائيل لضمان السيطرة الإسرائيلي على البضائع التي تدخل المنطقة، وقال:" تعني هذه الخطوة استمرار الاحتلال، اذ بأي حق تتدخل إسرائيل في البضائع والدخول إلى الأراضي الفلسطينية".
وبين كذلك ضخامة حجم الأراضي التي سيصادرها جدار الفصل العنصري من أراضي الضفة الغربية والتي تصل إلى 46% منها، مقارنة بحجم قطاع غزة، حيث يصادر الجزء الغربي من الجدار 9.5% من مساحة الضفة، وهو ما يعادل 557 كيلومتر مربع أي ما يعادل 155% من مساحة قطاع غزة، فيما سيحتجز الجدار خلفه 465 كيلومتر مربع أي 8% من مساحة الضفة، فيما سيصادر الجدار الشرقي في حالة بنائه 29% من أراضي الضفة.
وفي القدس، أوضح أن مستوطنة معالية ادوميم ستضم 65 كيلو متر مربع إليها، بحيث تصل إلى البحر الميت، وتشطر الضفة الغربية إلى قسمين شمالي وجنوبي، إضافة إلى عزل القدس الشرقية نهائيا عن محيطها، وسجن بعض قراها كعناتا ومخيم شعفاط للاجئين وزعيم بجدران من جميع الجهات.
انتهاكات إسرائيلية جسيمة
وأجرى الدكتور البرغوثي في القسم الثاني من المؤتمر الصحفي مقارنة بين حجم الانتهاكات الإسرائيلية والفلسطينية لاتفاق إطلاق النار الذي تم توقيعه في شرم الشيخ بتاريخ 8/2/2005، فنتيجة الانتهاكات الإسرائيلية سقط 75 شهيداً بينهم 17 طفلا، و 717 جريحاً، في 2184 عملية إطلاق نار، كما تم خلال العام الحالي وحده اعتقال 1916 مواطناً في حين أقامت قوات الاحتلال 2306 حاجزا، أما إجمالي مساحة الأراضي التي صادرتها قوات الاحتلال 34718 دونماً، كما قامت بأعمال التجريف واقتلاع الأشجار حيث بلغ عدد هذه الأعمال 104 مرة، هذا ولم يسلم المواطنون الفلسطينيون من اعتداءات المستوطنين حيث نفذوا 394 اعتداء. وأوضح أن عدد المعتقلين الجدد أكثر من ضعفي الذين تم الإفراج عنهم خلال العام الحالي حيث بلغ المعتقلون 1916 مقابل 900 أفرج عنهم.
وأشار إلى استمرار وجود أكثر من 7500 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، 344 منهم تحت سن الثامنة عشرة، 78 تحت سن السادسة عشرة، علاوة على وجود 155 فلسطينية بينهم، 19 منهن أمهات أو وضعن مواليداً أثناء تواجدهم في السجن.
بالمقابل، قتل 14 إسرائيلياً، بينهم طفلان، وجرح 149 آخرون، في 3 هجمات فلسطينية، و149 حالة إطلاق صواريخ.
المخرج من الوضع الراهن
وأوضح الدكتور البرغوثي أن المخرج من الوضع الراهن يكون بأمرين، أولهما بالتوجه بقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي إلى مؤسسات الأمم المتحدة، ومطالبتها بإلزام إسرائيل به أو فرض عقوبات عليها ما لم تنصع له، وهو ما قامت المبادرة في سبيله بتوقيع عشرات آلاف التواقيع، التي تحث الحكومة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على المضي قدما في هذا الاتجاه.
أما الأمر الثاني فالدعوة فورا إلى عقد مؤتمر دولي يفتح جميع ملفات الحل النهائي المغلقة، لانتزاع زمام المبادرة من شارون الذي يحاول تصوير ما جرى في قطاع غزة بالتنازل الكبير، وفرض وقائع على الأرض باستمراره بالتوسع الاستيطاني في القدس والضفة.
وأشار إلى وجود استعداد دولي لعقد هذا المؤتمر إذا ما قامت السلطة الفلسطينية بالالتزام به، وهو ما لمحه من خلال لقاءاته مع وزراء خارجية دول عدة.
إدانة الاعتداء على العمال والحاجة إلى توفير الأمن والأمان
وحذر الدكتور البرغوثي في المحور الأخير من المؤتمر، من مراهنات إسرائيل على انفجار الوضع الداخلي الفلسطيني باتجاه نزاع داخلي، داعيا إلى الالتزام بالأمن والأمان وسيادة القانون وتحريم اخذ القانون باليد، مؤكدا أن المنافسة السياسية يجب أن تكون عن طريق صناديق الاقتراع وليس بقوة السلاح في الشوارع، مشيرا في هذا المجال إلى الاستعدادات التي تجريها المبادرة، حيث تخوض انتخابات البلديات والمجالس المحلية القادمة بأربعة قوائم باسمها، ومرشحين في 46 موقع تضم مرشحين منها ضمن قوائم مختلفة.
وأدان الدكتور البرغوثي في هذا السياق بشدة اعتداء عناصر من الأمن الفلسطيني على عمال عاطلين عن العمل تظاهروا في خانيونس، مطالبين بتوفير فرص عمل لهم وإنصافهم، وتطبيق القرار بالسماح لأبنائهم بالالتحاق بالدراسة دونما دفع أقساط، مشيرا إلى معاناة هؤلاء العمال حيث أن بعضهم لا يجد عملا منذ خمسة أعوام وبالكاد يستطيع توفير قوت عياله، في ظل عيش 70% من الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة تحت خط الفقر، داعيا إلى محاسبة المسؤولين عن هذا الاعتداء.
وطالب في هذا المجال السلطة الفلسطينية بمراجعة موازنتها، مشيرا إلى رفعها رواتب العاملين في بعض أجهزة الأمن، في حين تستمر البطالة في الاستفحال، إضافة إلى ورود معلومات أكيدة بأن 30% من موظفي القطاع الحكومي، وبعضهم ممن شملته الزيادات، يتقاضون رواتبا دونما دوام في أماكن عملهم. وقال أن صغار الموظفين في الجهاز الحكومي والأمن يستحقون الزيادة، لكن القطاعات الأخرى تستحق دعما فوريا.
وطالب في هذا المجال بسياسة حكومية متوازنة، تعيد النظر في السياسات الاجتماعية، وتراجع العديد من القرارات التي اتخذت لأسباب فصائلية أو فئوية أو انتخابية، منتقدا في هذا المجال تخصيص السلطة الفلسطينية 26% من موازنتها الأخيرة لأجهزة الأمن، في حين لم تخصص إلا 8و0% للزراعة، و 1و0% للثقافة، ولا شيء للمجالس المحلية.
بالمقابل دعا الجميع إلى توخي الأمن والحرص على حياة الفلسطينيين خاصة المدنيين منهم، الذين يعانون الأمرين من ظلم الاحتلال وبطشه، مشيرا في هذا المجال إلى الأسف العميق لنتائج الانفجار الذي وقع في الشجاعية وأودى بحياة العديد من الأبرياء.