من أجل الاصلاح الحقيقي ومن أجل الحرية والاستقلال

بقلم: د.مصطفى البرغوثي

في الوقت الذي يجب ان تنصب فيه الجهود لتطوير وتعزيز الانتصار الفلسطيني في محكمة العدل الدولية في لاهاي من خلال بناء حركة مقاطعة دولية لعزل اسرائيل، ورفض وافشال مخططها لتحويل قطاع غزة الى سجن، وعزل ومقاطعة خطة شارون الرامية الى كسب الوقت واستكمال بناء جدار الفصل العنصري وضم اكثر من 85% من اراضي الضفة الغربية وتدمير امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة،و تأتي احداث غزة المؤسفة لتكشف مدى فداحة الاضرار الناجمة عن الفلتان الامني وغياب القيادة الوطنية الموحدة وانتشار واستشراء الفساد وسوء الادارة وفرض الاتاوات والاستيلاء على الممتلكات وغياب سيادة القانون وجهاز قضائي فعال.

ويترافق ذلك مع افخاخ جرى نصبها سياسيا لاظهار الفلسطينيين بمظهر المختلف مع الشرعية الدولية والامم المتحدة من اجل التخفيف من عزلة اسرائيل الناجمة عن قرار محكمة لاهاي وتبديد آثاره الايجابية، بما في ذلك الاقدام على اختطاف متضامنين فرنسيين كل ذنبهم انهم جاءوا للتضامن مع النضال العادل للشعب الفلسطيني.

ان الفلتان الامني الجاري والفساد القائم لا يخدم إلا مصالح اعداء الشعب الفلسطيني، واولئك الذين لا هم لهم سوى فرض مصالحهم الفردية والتنافس على الزعامة الشخصية والمكاسب الفئوية على حساب المصلحة الوطنية العليا، ولا يعبر إلا عن ضيق افق المنشغلين بمعركة التنافس على مواقع في سلطة مفرغة من كل معالم السيادة بحكم كونها مثل كل الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

ان الصراع على السلطة في قطاع غزة في الظروف الحالية، ليس اكثر من تنافس على القيام بدور الشرطي في سجن يديره الاحتلال وهو يستخدم لالهاء الشعب الفلسطيني عن معركته الاساسية ضد جدار الفصل العنصري، والاجتياحات الاجرامية لبيت حانون وعمليات الهدم والتدمير في رفح وخان يونس وسائر ارجاء قطاع غزة.

ويخطئ البعض ان بنى حساباته على اساس نية اسرائيلية للانسحاب من غزة، فالذي يجري في قطاع غزة ليس انسحابا او تمهيدا لانسحاب بل اعادة احتلال تدريجي مشابه لما قامت به اسرائيل في الضفة الغربية، وعملية تدمير منهجية لقوى الحركة الوطنية والمؤسسات الفلسطينية ومحاولة اسرائيلية لتحويل قطاع غزة الى «سجن» محاط بالوجود الاسرائيلي من كل جانب وتنصيب حكومة متعاونة فيه على طريقة حكومات الباتنوستانات في جنوب افريقيا سابقا.

ان المطلوب فورا هو تغليب المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح الفردية والشخصية والفئوية، وتشكيل قيادة وطنية موحدة تقود الكفاح الوطني باستراتيجية ومنهج موحد، وتنفذ اصلاحا داخليا شاملا يدرئ كل اشكال الفساد وسوء الادارة والمحسوبية ويلغي كل اعتداء او تطاول على مصالح وممتلكات الناس وحقوقهم، ويحاسب كل من يتجرأ على التطاول على الممتلكات والمصالح العامة او فرض الاتاوات والاعتداءات على المواطنين ويرسي سيادة القانون والانتخابات الديمقراطية الحرة كأساس لتنظيم العلاقات الداخلية.

ان القيادة الوطنية الموحدة هي الضمانة لحماية المشروع الوطني وقيادة الكفاح الشعبي ضد الجدار والاحتلال ولبناء حركة تضامن دولية واسعة مع الشعب الفلسطيني وتعزيز الصمود الوطني الداخلي.

ان الاستمرار في تجاهل ما افرزته الانتفاضة الشعبية الباسلة من تحولات نوعية لا يفيد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك ان السلطة الفلسطينية ليست فوق الحركة الوطنية الفلسطينية بل يجب ان تكون جزءا منها وان تعمل في خدمتها وان تخضع للمصالح الوطنية العليا ولقيادة وطنية موحدة وفعالة، كما ان اصلاح الاجهزة الامنية يعني عدم تدخل قادتها في الامور السياسية او النشاطات الاستثمارية الاقتصادية ويعني خضوعهم الكامل لسيادة القانون وان يتكرس جل نشاطهم على حماية امن وامان المواطن الفلسطيني الذي بات قلقا على سلامته الشخصية وامن بيته وممتلكاته.

ان التقاعس عن تشكيل القيادة الوطنية الموحدة وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية واعتماد الديمقراطية كأساس لتنظيم البنيان الداخلي قد قاد الى استفحال مظاهر الصراعات الداخلية في السلطة الفلسطينية وتغليب المصالح الشخصية والفئوية الضيقة وفتح الباب على مصراعيه لعبث اطراف خارجية وفي مقدمتها اسرائيل بالاوضاع الداخلية الفلسطينية.

اننا ندعو وقبل فوات الاوان الى تشكيل قيادة وطنية موحدة فورا تضم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكافة القوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني لتقود النضال الوطني وتعد لاجراء انتخابات حرة وديمقراطية وتعالج بفعالية وحزم كل مظاهر الفساد والمحسوبية والتسيب والفلتان الامني.

ولعل قدرنا كفلسطينيين ان نخوض غمار الاصلاح الداخلي الملح والذي لم يعد يستطيع الانتظار وعيوننا وهمنا وجهدنا الاساسي مركز دون انقطاع على العدو والتحدي الاول، الاحتلال، وجدار الفصل العنصري ومن دون ان نرخي قبضتنا ولو لثانية واحدة عن شرط بقائنا.. وحدة الشعب الفلسطيني الوطنية.