لا تحملوا الانتفاضة وزر ما نعانيه

د. حيدر عبد الشافي
تعليقاً على ما جاء على لسان الأخ "أبو مازن" خلال لقاء له في غزة مع اللجان الشعبية للمخيمات، والذي نشرته وسائل الإعلام والذي أشار فيه إلى أن "عسكرة الانتفاضة حرفتها عن مسارها الصحيح" أقول:

الإنتفاضة تعبير واضح ومؤثر عما يجول في عقول الناس وأفئدتها، وهي إذ ذاك يجب أن تحظى باحترام وتفهم كل القوى القيادية والفاعلة في المجتمع.

رسالة الإنتفاضة تتلخص في اتجاهين: الأول يؤكد عدم جدوى المفاوضات الجارية في ظل التوازنات القائمة ما مكن إسرائيل من مضاعفة وجودها الاستيطاني في ظلها، والثاني يؤكد عزم الشعب الفلسطيني على القتال دفاعاً عن حقه المشروع في تقرير المصير والإستقلال التام على الأرض الفلسطينية. ولكن الانتفاضة بطبيعتها عمل عفوي وعاطفي غير منظم. وإذ ذاك كان من واجب القيادة أن تبادر إلى تنظيم أداء الإنتفاضة وإنهاء عفويتها كي تؤتي ثمارها وتنفذ رسالتها. وكان هذا الواجب يقتضي أن تلتئم كل القوى السياسية وعدد يتفق عليه من المستقلين، أن تلتئم جميعها في جسم واحد يمثل ويسمى قيادة الوحدة الوطنية مهمتها الأساسية توحيد القرار بالنسبة لنشاطات الإنتفاضة وما تقتضيه من تنظيم في ظل تعدد القوى السياسية، وما تعنيه من تعدد وجهات النظر حول ما هو مجد وما يجب أن يكون بالنسبة لنشاطات الإنتفاضة وخصوصاً في المجال العسكري. وهكذا تصبح كل القوى ملتزمة بقرار واحد يتم التوصل إليه بأسلوب ديمقراطي بعد مناقشة معمقة من قبل كل الفصائل ويتم تجنب ما عانينا وما زلنا نعانيه من تعدد الآراء والإجتهادات التي أشار إليها "أبو مازن".

المؤسف أن القيادة لم تنظر إلى هذا الواجب بالجدية المطلوبة، كما أن القيادات السياسية القائمة لم تعطه الإهتمام المطلوب، وهكذا بقيت الانتفاضة على عفويتها تقيم الذرائع لإسرائيل لتبالغ في إجرامها وعدوانتيها أمام عالم ديمقراطي تبلد ضميره وعجز حتى عن الإصرار على تنفيذ كثير من قرارات الأُمم المتحدة، التي لو أصر على تنفيذها لنعمنا بالسلام المطلوب منذ وقت طويل. هكذا، وكالعادة استسلمنا إلى هواجسنا الذاتية وأضعنا الفرص وأقمنا في طريقنا كل المصاعب وتركنا الإنتفاضة على عفويتها.

كان وما زال الواجب يقضي في نظري أن يحصر العمل العسكري للانتفاضة في مجال الدفاع: مقاومة الإستيطان، والنضال ضد كل ما تهدف إسرائيل من ورائه إلى إحباطنا وتيئيسنا، كهدم البيوت –وقد أمعنت في ذلك إلى حدود لا يقبلها ضمير الإنسانية- وتجريف الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار. نحصر أداء الإنتفاضة العسكري في هذه المجالات كي ننقل صورة واضحة إلى العالم بأننا في موقع الدفاع عن الحق ونكسب بذلك التأييد والمساندة من قبل الجميع.

وبعد ذلك كان وما زال من واجب القيادة أن تلتفت إلى وتعنى بما يحقق ويؤكد صمود الجماهير ازاء ما نتج عن الإنتفاضة من مصاعب حياتية مادية وخلافها. وأنا واثق بأن قدرة جماهيرنا على تحمل المصاعب والصمود هي أضعاف قدرة الجمهور الإسرائيلي، وبالتالي فهي تشكل سلاحنا الأساسي وطريقنا إلى النصر. فهل آن الأوان أن تحظى قضيتنا ولو بالحد الأدنى من النظام الحقيقي والبعد عن التطلعات الذاتية والحمائلية والفئوية والشعارات الجوفاء لنقيم السدود المنيعة ضد تطلعات العدو الطاغية والخارجة على القانون ومبادئ العدل وقرارات الأُمم المتحدة.

ما زالت الفرصة سانحة –للرجوع إلى ضمائرنا وأفئدتنا- لنتدارك أنفسنا ونتجنب كارثة الرضوخ إلى مشيئة إسرائيل أمام عالم تبلد ضميره ازاء مبادئ الحق وربما بسبب سوء أدائنا وكثرة أخطائنا.