ليس على قاعدة التحيز لأياً من القوى أو القوائم التي تشكلت استعداداً للانتخابات التشريعية القادمة والتي تعلن انتمائها للتيار الثالث ورغم أنني لا أخفي انتمائي السياسي والفكري وموقعي في إحدى تلك القوى ، ولكنها محاولة لعرض رؤية موضوعية حول السمات التي يجب أن تسم هذا التيار الأمر الذي سيقربه من إمكانية اعتباره بأنه هو الأكثر تمثيلاً للتيار الثالث ضمن تفاوتات وتمايزات نسبية وليست مطلقة بالضرورة .
لا داعي للتأكيد هنا على أهمية هذا التيار الذي يجب أن يعكس رأي الأغلبية الصامتة والمتضررة بالمجتمع من حدة الاستقطاب السياسي بين التيارين الرئيسيين وهما كل من تياري حركة فتح وحركة حماس ، فالمؤشرات تشير بأن هناك نسبة تصل إلى 40 % ترغب بالتغير في إطار تيار جديد ورؤية تتميز بالديمقراطية كمنهجية رئيسية في الحكم والإدارة والحياة الاجتماعية ، تيار يحاول أن يربط بأحكام بين الحقوق الاجتماعية للفئات الاجتماعية المغبونة وبين الأهداف الوطنية لشعبنا على قاعدة رفض الحلول الجزئية والانتقائية ومخططات الكنتونات والمعازل ويحاول أن يرسخ أسس السيادة الوطنية عبر تفعيل حركة التضامن الشعبي الدولي وترجمة قرارات الشرعية الدولية تجاه قضية شعبنا .
ولكن مع توارد الأنباء عن تشكيل أكثر من قائمة تعلن انتمائها للتيار الثالث فإنني أريد وبموضوعية تسليط الضوء على أهم المميزات التي يجب أن تتوفر في أية قائمة أو كتلة الأمر الذي يقربها من إمكانية الإعلان عن تمثيلها لهذا التيار وبجدارة وبتمايز نسبي عن باقي القوائم والكتل الأخرى .
أولى تلك الميزات :- أن تلك القائمة يجب أن تكون مستقلة ، حيث أن الأغلبية الواسعة والمتضررة تتذمر من الفصائلية والحزبية و الفئوية وتعتبرها أحد أسباب الأزمة السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية العامة.
وعليه فإن قيام أحد القوى بالمنافسة باسم فصيل بعينه عبر تسجيل قائمة انتخابية باسم فصيلها ومع احترامنا لدور هذا الفصيل تاريخياً في المسار الوطني والبنائي والاجتماعي الديمقراطي ، فإن ذلك لا يعكس بالضرورة رأي الأغلبية الواسعة بالمجتمع وربما يعكس أحد شرائحها ، حيث أن الأغلبية الواسعة هي تلك التي تقع بالمنتصف بين حركتي فتح وحماس كما أسلفنا ، خاصة أن هذه الأغلبية لا تنتمي إلى لون أيديولوجي أو فكري معين وبالتالي فإن هذا التيار الواسع من الممكن أن يضم كافة الألوان الفكرية ولكنه يسعى لأن يكون تياراً وسطياً بالمجتمع فهو تيار ديمقراطي وسطي ولا ينتمي إلى أيديولوجية أو فصيل أو حزب بعينه.
ثانياً :- من الضروري لعناصر القائمة التي هي أكثر انتماءاً للتيار الثالث أن لا يكون أياً من مركباتها قد شارك بالسلطة خلال العشرة سنوات الماضية ، وذلك لأن هذا التيار يجب أن يكون مستقلاً عن السلطة ، ولأن المشاركة بالسلطة يعني تحمل وزر الأخطاء والسلبيات التي قامت بها من حيث الفشل في إدارة الصراع الوطني والولوج في نفق الحلول الجزئية والانتقالية ، وكذلك الإخفاق في الإدارة الرشيدة والحكم بما يتعلق بهدر المال العام وسوء استخدام السلطة لتحقيق أهداف ذاتية ومنفعية وفيما يتعلق بالواسطة والمحسوبية وكذلك الإخفاق في ضمان حقوق الفئات الاجتماعية الضعيفة وتفاقم مظاهر الفقر و البطالة وتقهقر حالة الأمن والأمان وتقويض أسس سيادة القانون.
ليس من المنطقي أن تدعي أياً من الكتل تمثيلها للتيار الثالث وهي شريكة في بنية السلطة الوطنية خلال الفترة الزمنية الماضية ، وكيف بالضرورة أن تحاول لعب دور البديل وهي كانت شريكاً في البنية والإدارة والأداء وبالتالي تتحمل موضوعياً أعباء المرحلة السابقة بكل تداعياتها .
يجب أن لا يفهم من ذلك أنني ضد المشاركة بالسلطة من حيث المبدأ،حيث يشكل ذلك هدفاً لجميع الأحزاب السياسية بلا استثناء ولكن يجب أن يتم ذلك على قاعدة برنامجية واضحة بحيث أن لا يتم الاستمرار بهذا التحالف إذا تم تجاوز أسس هذا البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي كما يحدث في الائتلافات الحكومية التي تتشكل من تحالف مجموعة من الأحزاب في العديد من بلدان العالم ، أما أن يسيطر حزباً رئيسياً على السلطة وتشارك به فاعليات تعلن انتمائها للتيار الديمقراطي بعضو واحد في الوزارة ودون الاكتراث إلى أسس التحالف على المستوى البرنامجي فهذا لا يعتبر تحالفاً بل شراكة منقوصة يتحمل المسؤولية بها هؤلاء الشركاء، وهم بالضرورة لا يمكن اعتبارهم كبديل عن الحالة الراهنة
ثالثاً : حتى لو تكونت تلك القائمة من شخصيات مستقلة بعيدة عن الفصائلية والحزبية فمن الضروري أن لا تكون تلك الشخصيات قد شاركت في مكونات الحكم وخاصة بالمواقع الوزارية ، فهناك شخصيات معروفة ومشهود لها ولأدائها السياسي ولنجوميتها الإعلامية ، ولكن تلك الشخصيات لا تعكس بالضرورة التيار الثالث حيث كانت شريكة بالسلطة وبالتالي فهي تتحمل المسؤولية عن أدائها ، في المجالات المختلفة ومنها السياسية ، خاصة إذا أدركنا أن بعض من تلك الشخصيات كانت قد انخرطت بالاتفاقات السياسية التي رسخت الحلول الجزئية والانتقالية ووقعت على وثائق سياسية عبرت جماهير شعبنا عن استيائها منها ، وأن بعض من تلك الشخصيات أيضاً مسئولة عن التقهقر الاقتصادي والمالي والتنموي لدى السلطة الوطنية نتيجة لتبوئها مراكز قيادية بها وترأسها لصناديق استثمارية تعكس حالة الاحتكار بعيداً عن آلية التوزيع العادل للثروات ، وبما يرسخ مصالح نخبوية على حساب السواد الأعظم من الفقراء .
وعليه فإن مقومات القائمة الأكثر تعبيراً عن التيار الثالث يجب أن تتميز بالاستقلالية وعكسها لمصالح فئات اجتماعية واسعة من المستقلين والحركات الاجتماعية ، ورجال الأعمال والنساء والشباب وأصحاب الاحتياجات الخاصة ،وبالتالي فهي غير فصائلية أو فئوية، كما بالضرورة أن لا يكون أياً من مكونات هذا التيار قد شارك بمكونات الحكم على المستويات السياسية والوزارية والتنموية ، حتى يتمكن ممثلو هذا التيار من إقناع السواد الأعظم من الجماهير بأنهم هم البديل الحقيقي المناسب باتجاه تغير الوضع القائم وهم الأداة القادرة على عكس أهدفهم وتطلعاتهم الاجتماعية وحقوقهم السياسية ومبادئهم القيمية باتجاه إرساء أسس سيادة القانون وتحقيق المجتمع المدني الديمقراطي على أسس من المواطنة المتساوية .
ورغم وجود أكثر من قائمة انتخابية تعلن انتمائها للتيار الثالث حيث تقلصت الفرصة باتجاه وحدتها فإنني أعتقد أنه يجب أن لا تفوت الفرصة بعد الانتخابات أي في إطار المجلس التشريعي حيث من الضروري استئناف الحوارات من جديد بين من يحالفه الحظ بالنجاح في إطار البرلمان الفلسطيني القادم باتجاه محاولة تشكيل كتلة مانعة تعكس التيار الثالث وتعمل على إنهاء حدة الاستقطاب السياسي وتساهم في إعادة صياغة الخارطة الحزبية والسياسية بالمجتمع من جديد على أسس من التنوع والحيوية .