بقلم د خالد السيفي
القدس 8/8/2005
يحكى أن رجلا دخل على الحسن البصري وسأله الحكم في الخوارج الذين يكفرون أصحاب الكبائر(بني أمية) ويدعون إلى مقاومتهم وحمل السلاح في وجههم، وعن جماعة أخرى يرجئون حساب أصحاب الكبائر إلى يوم الدين، إذ حسب ادعاء هذا الفريق المرجئة أن المعصية الكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان. فتفكر الحسن في ذلك. وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا، بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر . ثم قام واعتزل إلى عامود من أعمدة المسجد، يطلب من جماعة الحسن البصري التقرير والتأييد ، فقال الحسن اعتزل عنا واصل وسمي هو وأصحابه ب المعتزلة. أما دور المعتزلة في التاريخ السياسي الإسلامي اتركه لفضولك وروح البحث لديك.
على أي حال هذه إحدى نظريات نشوء المعتزلة كتيار مقاوم فكري وسياسي وديني عبّر عن مرحلة صراع ارادات سياسية في القرن الثاني للهجرة (150ه،القرن الثامن ميلادية) . والكل يعرف أن أصول هذه الخلافات نشأت بعد مقتل ثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، إذ كانت تدور حول النزاع على أحقية الخلافة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ومن ثم توريث الخلافة وما تبعه من الظلم والفساد وسوء الإدارة والاستئثار ببيت المال لحساب السلاطين الأمويين ومن أيدهم من الولاة والحكام على الأمصار إبان الفتوحات الإسلامية. هذا ما حدث قبل ألف وستمائة عام.
أما وجه الشبه بين الأمس واليوم حالة الحيرة وعدم الرضى وفقدان وضوح الاتجاهات لدى العامة والجمهور حيال ما يشاهدونه من الاقتتال الداخلي وهم الاحوج إلى الوحدة والتوحد لمواجهة المخفي والأعظم، هذا أولاً. أما ثانيا-موقف الغالبية من سواد الشعب من الفلتان الأمني والسياسي والاقتصادي والثقافي بشكله المرعب. وثالثا لوم الجانبين وعدم الانحياز لجهة دون الأخرى مهما كانت الأسباب والنتائج ويكاد يجمع الكل على تحريم الدم الفلسطيني على الفلسطيني.
وجدتني استمزج العاديين والمثقفين والمحللين السياسيين، الكل في حالة اعتزال، لا لأنهم لا يهمهم بل لأنه يهمهم، بل الفيتهم يعتصر الهم قلوبهم ويفلق الغم أدمغتهم وقد ابدوا تخوفهم من الأسوأ الذي قد يحصل لا سمح الله . على أي حال لم يحمل اسم المعتزلة صفة السلبية في النشاط اليومي المجتمعي ولا في الممارسة للحياة السياسية ، لا سابقا ولا حاليا، فالكل يعبر وينتقد وينصح ويدعو ويتوسط.
إلا أن الاعتزال في المجتمع الفلسطيني له تاريخه أيضاً. ففي السنوات العشر الماضية ونتيجة التراجع المستمر في القضية والتقهقر السياسي والتنظيمي الشامل سلطة وأحزاب وحركات على الساحة منذ اوسلو وتتويجه بجدار الفصل العنصري ومحاصرة القدس وتوسيع المستوطنات والخوف من غزة أخيرا أدى إلى ازدياد عدد المعتزلين وعدم الراضين. هؤلاء المعتزلة اتفقوا على تسميتهم الأغلبية الصامتة. والذين شاءوا أم أبوا سيحملون على عاتقهم مهمة التغيير المستقبلي ولا سيما أنهم الأغلبية الساحقة من المجتمع والذين سيكتشفون قوة تأثيرهم في الانتخابات التشريعية القادمة.
لا أبالغ إن قلت أن جماهير الفئة هذه جاهزة وتنتظر فرز قيادة تتقن إدارة الصراع الداخلي والخارجي، ولكن قبل هذا وذاك هناك أمران يجب المبادرة لايجادهما: الأول برنامج غير البرامج التقليدية وتنظيم لا يشبه التنظيمات الكلاسيكية من جهة، والأمر الثاني صياغة فكر تنظيري لجمع الناس به وحوله، من الجهة الأخرى (لا أقول أيديولوجيا).
وان كنت لا ارغب في إبداء الرأي ببعض القضايا الملحة لتطور هذا التيار لعدم كمال الصورة، إلا انه من المفيد تسجيل بعض النقاط المفيدة للتأمل،
وهذا ما اعتقده مهم وغير طارئ لقيادة هذه الفئة المعتزلة:
- عدم الاستعلاء الفكري وتبسيطه ليكون مفهوما للناس ويعبر عن حاجاتهم ويضع حلولا لمشكلاتهم بحيث يكون صناعة بيتية يتكلم العربية بلهجة محلية .
- عدم المغالاة في الضبط التنظيمي
- إعادة اللحمة للنسيج الفلسطيني الجامع في الداخل والخارج
- نشر وعي الصمود بين الناس وتبني قضاياهم الجماعية داخليا وخارجيا
- كسب الوعي العالمي
- التركيز على قضية الجدار ومقارعته من ناحية عنصرية واستهداف لا إنسانيته بالإضافة للأمور السياسية الأخرى ذات العلاقة
- أن لا تستقدم قيادة المعتزلة مشكلات قيادات التنظيمات والحركات القاصرة، والأفضل أن تدار أمورهم لا من سياسيين محترفين بل بواسطة إداريين وإعلاميين مهرة لتحييد الأنانية السياسية والصراع على الكرسي التنظيمي
- مخاطبة العقول والقلوب في أن واحد مع إحياء القيم والمفاهيم والمثل الإنسانية والفلسطينية لا بالقول وإنما بضرب المثل من القيادة أولاً للقاعدة ثانيا
- ترويج فكر تداول السلطة داخل الحزب والحركة وأهمية الصوت الانتخابي وزرع ثقافة التحدي من اجل التغبير والانتماء لإعلان المسؤولية.
وهنا لا أستطيع مقاومة مخاوفي من ردود الفعل على فكرة ونوايا بناء الكازينو في القطاع الذي تسربت أخباره متمنياً أن يكون مجرد خبر خالي من الصحة وليس له أي جذور فلسطينية مغذية له.