لا تدافعـوا عـن أوسلـو.. .بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية
في خضم النقاش حول التعاطي مع الضغوط التي يواجهها الشعب الفلسطيني، يفرط البعض في الدعوة لقبول الاتفاقات الموقعة ومن بينها أوسلو.
وفي اطار شرح مزايا هذه الاتفاقات يذكر البعض أن أوسلو أتاحت قيام أول سلطة فلسطينية، وعودة اعداد من الاخوة العائدين، وتولي الفلسطينيين شؤون حياتهم اليومية، وتحول الاحتلال في بعض الجزر الجغرافية الى احتلال متقطع بدل أن يكون متواصلاً وغير ذلك.
والواقع ان هذه الانجازات قد تمت ليس بفضل أوسلو بل بسبب النضال الوطني الفلسطيني وتضحياته وبسبب وصول الاسرائيليين بعد الانتفاضة الاولى الى وضع لم يعودوا يستطيعون معه السيطرة بالطرق المباشرة السابقة، وبعد ان تحول الوجود الديموغرافي الفلسطيني الى بركان من المقاومة والكفاح وبأساليب شعبية سلمية عرت وجه اسرائيل والاحتلال امام العالم.
أما أوسلو ... فقد كان احد أسباب منع وصول هذه التضحيات والنضالات الى انجازها الحقيقي والكامل وهو اندحار الاحتلال والاستيطان وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة.
وأوسلو كان السبب في اتفاقية باريس الاقتصادية الظالمة والمجحفة والتي جعلت الاقتصاد الفلسطيني أسيراً للاملاءات الاسرائيلية.
وأوسلو كان السبب في اعطاء اسرائيل فسحة طويلة دون ان تنهي احتلالها، ودون ان توقف الاستيطان الذي استفحل حتى وصل الى مشروع شارون – اولمرت الحالي لتكريس الاستيلاء على حوالي نصف الضفة الغربية بما فيها القدس والاغوار ومناطق الاستيطان.
وأوسلو هو الذي اضطر الشعب الفلسطيني الى خوض انتفاضة ثانية وقد يضطره الى خوض ثالثة ان لم يجد العالم وسيلة لاقناع اسرائيل قبل فوات الاوان بقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة حرة كاملة السيادة على كامل الاراضي المحتلة عام 1967.
وأوسلو هو الذي خلق الهوة بين ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، اقتضى ردمها، وما زال يقتضي تضحيات كثيرة وجهوداً هائلــة.
هل كان هناك بديل لأوسلو؟ بالتأكيد، البديل كان التمسك بالشرعية والقانون الدولي، ورفض الاتفاقات الجزئية والانتقالية والاصرار على حل شامل، ورفض توقيع الاتفاق قبل وقف كل نشاط استيطاني على الاقل.
البديل كان عدم الوقوع في اوهام واغراءات السلطة، كما لو انها كاملة السيادة، وليست مجرد ترتيبات محدودة في ظل استمرار الاحتلال.
والبديل كان التركيز على بناء انتاج وطني مقاوم وليس اقتصاد محكوم بالاعتماد على المساعدات الاجنبية، بسبب تضخم جهازه الوظيفي وهدر موارده.
أوسلو كان اجتهاداً خاطئاً، ولذلك ليس خطأ ان نفكر في تجاوزه، فهو ليس قدراً أبدياً، خصوصا ان الجانب الاسرائيلي قد مزقه وتجاوزه وادار الظهر له، منذ انتخب حكومة الليكود عام 1996.
ولن يضير صورتنا ان نقول للعالم بالفم الملآن ما هي شروطنا نحن الفلسطينيين للسلام الذي نريده بكل جوارحنا. سلام يقوم على انهاء كامل للاحتلال وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة بعاصمتها القدس وبدون مستوطنات وبدون جدار وبدون نظام التمييز العنصري الذي ارساه الاسرائيليون على الارض. سلام يقوم على احترام حقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك حقوق لاجئيه. سلام يقوم على التكافؤ ويستند للقانون الدولي، وينفذ أهم قرارات القضاء الدولي...قرار محكمة لاهاي ضد جدار الفصل العنصري. وهو قرار حدد بأقوى النصوص القانونية عدم شرعية كل المستوطنات، واجراءات تهويد القدس ولذلك فان اول اجراء للحكومة الفلسطينية الجديدة يجب ان يكون حمل ملف لاهاي الى الامم المتحدة ومطالبتها بوضعه موضع التنفيذ.
اليوم لدينا نظام ديمقراطي، ومرجعية شعبية واسرائيل يجب ان تفهم ان كل اتفاق من اليوم فصاعداً سيعرض على المرجعية الشعبية الفلسطينية اما انتخاباً او استفتاءاً واذا ارادت السلام فلتتفضل بالجلوس الى طاولة المفاوضات في اطار الشرعية والقانون الدولي والتكافؤ ولتقبل بعقد مؤتمر دولي لمعالجة قضايا الحل النهائي.
اليوم، ونحن نسير بأقدامنا على ارض الواقع بكل تفاصيله، واقع لا يمكن لاحد ان ينكر وجوده بما فيه من اتفاقات وترتيبات سابقة، علينا ان نثبت انظارنا على المستقبل ومهامه وان نتوقف عن الالتفات للوراء.
أوسلو صار وراءنا..... أما الدولة المستقلة والحرية والكرامة فانها أمامنـــا.