وثيقة الاستقلال مدخلاً صالحاً لانتزاع المبادرة؟؟
بقلم: محسن ابو رمضان

في توجه العديد من بلدان العالم لمطالبة حركة حماس بالاعتراف بإسرائيل،واعتبار ذلك يشكل العقبة الرئيسية بالمنطقة تعبيراً عن الاختلال الحاد في موازين القوى، الذي يعزز اختلالاً في سياسات بلدان العالم، حيث لم ترتبط تلك المطالبات بضرورة إقرار إسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير إضافة إلى مطالبتها بضرورة الكف عن الممارسات العدوانية التي تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني، عبر القتل والاعتقال ومنع الحركة وتقطيع الأوصال وتوسيع الاستيطان وبناء جدار الفصل والتوسع ، حيث أدى هذا الاختلال إلى التعامل مع الضحية كجلاد وإعطاء المبررات للأخير بإجراءاته العدوانية والتوسعية بحجة الدفاع عن النفس، وكأن هذا الدفاع يشترط سلب الأرض وتدمير مقومات الهوية الوطنية ،والقيام بالقتل العمد وخارج إطار القانون والاعتداء على حقوق الإنسان الفلسطيني.
وإذا كانت نتائج السجال الميداني قد أفضى إلى إقرار أطراف العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني بوثيقة القاهرة في مارس 2005، إدراكاً علمياً ومنطقياً لطبيعة الصراع المختل بالقوة لصالح إسرائيل، والاتفاق على التهدئة تحضيراً للانتخابات النيابية العامة على أمل ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإنهاء حالة التشرذم والازدواجية بالخطاب والرؤية والأهداف، وإذا كانت أحد نتائج إفرازات العملية الانتخابية توجه حركة حماس إلى خطاب عملي برغماتي يستند إلى سياسة الغموض البناء التي أعلنها السيد إسماعيل هنية المكلف برئاسة مجلس الوزراء حيث يندرج جزء من هذا الخطاب بالإقرار بواقعية الاتفاقات السياسية المعقودة سابقاً وبطرح فكرة الهدنة طويلة الأمد ، فإن هذا يشير إلى تغير ولو تكتيكي في خطاب الحركة باتجاه إدراك توازنات القوى والمتغيرات الإقليمية والدولية .
إن إدراك اختلال موازين القوى لا يعنى التكيف مع معطيات الواقع أي القبول بمنطق             الحلول الجزئية والمنقوصة الأمر الذي أدى إلى كسب الوقت لصالح إسرائيل باتجاه تعزيز الاستيطان وإقامة الجدار، فالمنهج التفاوضي السابق وصل إلى طريق مسدود ولم يحقق نجاحات نوعية تنسجم مع أهداف وطموحات شعبنا بالحرية وتقرير المصير وترجمة قرارات الأمم المتحدة بخصوص إنهاء الاحتلال وبناء الدولة ، والنجاحات المذكورة بإنشاء أول سلطة وطنية والقيام بممارسة الحكم على جزء من الأراضي الفلسطينية، هامة ولكنها لا تصل إلى درجة تحقيق الأهداف والحقوق الفلسطينية الواردة في قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية المتعاقبة، حيث لم توظف السلطة بفاعلية كأداة ناجعة لتحقيق الطموحات والأهداف الفلسطينية، بل تم من خلالها تهميش دور منظمة التحرير الفلسطينية كبيت معنوي ، وتعبير عن حقوق شعبنا في كافة أماكن تواجده، واستغلت إسرائيل الاتفاقات الثنائية لتجنيب تدخل المجتمع الدولي بالصراع، وقامت بفرض الوقائع على الأرض عبر تعميق وتوسيع الاستيطان الذي تضاعف منذ توقيع اتفاق أوسلو إلى الآن ، وتحاول الآن وبحجة غياب الشريك من فرض الحل الانتقالي طويل الأمد متعدد المراحل والقائم على فكرة الانفصال أحادي الجانب الذي ابتدأ في قطاع غزة وصولاً لتحويل التجمعات السكانية الفلسطينية بالضفة الغربية إلى كنتونات وتجمعات معزولة عن بعضها البعض في محاولة واضحة لتدمير وحدة نسيج المجتمع الفلسطيني ومقوماته المادية وعبر فرض الحدود من جانب واحد كما طرحها مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي  بالوكالة يهود أولمرت وذلك عام 2010 ، ضرباً بعرض الحائط المواثيق والأعراف الدولية وتجاوزاً واضحاً لخارطة الطريق أيضاً التي تؤكد على ضرورة وقف الاستيطان وتقويضاً حاداً لقرارات محكمة لاهاي الدولية التي أكدت على عدم شرعية بناء الجدار والاستيطان في الأراضي الفلسطينية عام 67، الأمر الذي عززه التقرير الجديد الصادر عن المنسق الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة حول الجدار بوصفه سياسياً واستيطانياً وليس أمنياً، ويهدف إلى تكريس وتجزئة الشعب الفلسطيني وتهجير جزء منه مقدرين بحوالي 15 ألف مهددين بالهجرة بسبب صعوبة الحركة والتنقل التي يكابدوها بسبب الجدار، هذا التجزئ والفصل الذي يعززه إضافة إلى الجدار استمرارية وجود حوالي 471 حاجز  .
وعليه وعبر اتضاح طبيعة المخطط الإسرائيلي  المتبني لفكرة التوازن الديمغرافي وباتجاه سحب أكبر مساحة ممكنة من الأرضي الفلسطينية وبالمقابل زج التجمعات السكانية الفلسطينية في معازل على أصغر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، والتي ستتوج وبحجة غياب الشريك الفلسطيني برسم الحدود النهائية لدولة إسرائيل عام2010 كما أسلفنا، فإننا بحاجة وبناء على هذا المخطط الإجابة على تساؤل ما العمل ؟؟ وكيف يمكن إفشاله وإعادة صياغة المعادلة السياسية على قاعدة حقوق شعبنا الثابتة والمعززة بقرارات الأمم المتحدة والمدعومة من قبل القانون الدولي الإنساني؟؟.
أعتقد أن الاستفادة من التجربة التفاوضية السيئة السابقة يجب أن لا يدفعنا إلى الاستنتاج الفوري والميكانيكي برفض الانجازات الدولية التي تعززت كنتيجة لمسيرة شعبنا وتضحياته ،وخاصة قرارات الأمم المتحدة المناصرة لحقوق شعبنا في الحرية والاستقلال، كما أنه يجب أن لا يدفعنا إلى رفض فكرة الحلول السياسية وبصورة مطلقة حيث لم يسقط خيار الحلول السياسية لاي حركة تحرر وطني بالعالم ولكن السؤال على أية أسس وكيف يمكن الاستفادة منه باتجاه تحقيق حقوق شعبنا.
وبرأي فإنه بات مطلوب من حركة حماس وسائر أطراف العمل الوطني الفلسطيني القيام بعملية مراجعة تقيمية ونقدية للمسيرة السابقة وإدراك طبيعة الواقع الراهن بمتغيراته الإقليمية والدولية،وذلك عبر العمل على ابتداع خطة تجنب التصادم مع الشرعية الدولية وبالعكس أن يتم الاستفادة منها والاستناد إلهيا لمواجهة سياسة العزل والحصار والتهميش والإقصاء الممارسة من قبل بعض الأوساط الدولية ومن اسرائيل بحق شعبنا عقاباً له على خياره الديمقراطي .
وباعتقادي فإن الخطة المناسبة لذلك تكمن في وثيقة الاستقلال الفلسطيني الصادرة عن دورة المجلس الوطني الفلسطيني عام 88 ، فالوثيقة تحدد حدود دولة فلسطين في الرابع من حزيران عام 67، دون ربط ذلك بالاعتراف المباشر بدولة إسرائيل رغم أنها تتضمن اعترافاً غير مباشراً  بها عبر الاستناد لقرارات دولية تتحدث عن دولة إسرائيل الأمر الذي ربما ينسجم مع أطروحة وتوجهات حركة حماس من حيث عدم الاعتراف المباشر بدولة اسرائيل وفي نفس الوقت تستند الوثيقة إلى قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، بمعنى أنها ترتكز إلى منجزات المسيرة الوطنية الفلسطينية التي أعملت في بنية قرارات الأمم المتحدة حيث لم تكن تلك القرارات سوى إقرارا طبيعياً لتضحيات مسيرة شعبنا بالحرية والاستقلال، وتستند كذلك إلى القانون الدولي الإنساني ووثيقة جنيف الرابعة التي تدين ممارسات الاحتلال بحق شعبنا وتحمل الاحتلال المسؤولية القانونية تجاه الانتهاكات الممارسة بحق الأرض والإنسان الفلسطيني.
وربما من المناسب وفي إطار إعمال العقل والمنطق والتفكير بالإجابة على سؤال أيهما  أفضل ، هل الهدنة طويلة الأمد والتي قد تستفيد منها الأوساط الإسرائيلية تحت مبرر غياب الشريك لفرض الحل الانفرادي أحادي الجانب والذي يهدد بتدمير فكرة الدولة المستقلة المترابطة والمتواصلة والقابلة للحياة وابتلاع حوالي 50% من أراضي الضفة الغربية ؟؟  أم الدفع بوثيقة الاستقلال التي سيؤدي الإقرار بها إلى العمل على انتزاع المبادرة والسعي باتجاه الدعوة لعقد المؤتمر الدولي للسلام من أجل ترجمة قرارات الشرعية الدولية عبر الزج بالمجتمع الدولي في ملفات الصراع وعدم تركها للتحكم بها بواسطة إجراءات وممارسات الاحتلال الانفرادية؟؟ إضافة إلى استمرارية المبادرة عبر ضرورة العمل على نقل ملف محكمة لاهاي الدولية إلى مرافق الأمم المتحدة  خاصة إذا أدركنا خطورة الحل الانفرادي بوصفه يشكل كارثة محدقة بحق شعبنا وأهدافه الوطنية .
ولعل تصريحات السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بأن خطة أولمرت تشكل كارثة تعبيراً عن إدراكه وإحساسه العميق لمخاطر هذا المخطط على مجمل القضية الفلسطينية برمتها ،و تشكل أيضا تجاوزاً لبعض التصريحات من بعض قادة الحركة بأن الانفصال ربما يشكل انتصاراً وذلك على قاعدة الانسحاب الذي تم في قطاع غزة ، حيث يتم ذلك دون الاضطرار لتوقيع اتفاقات مع إسرائيل . 
   وعليه فمطلوب من كافة الفاعليات الوطنية والإسلامية القيام بالحوار الوطني البناء دون مواقف مسبقة ، ودون الدخول في مساجلات أيديولوجية وسياسية حول صوابية وجهة النظر أو عدمها ، لعلنا نستطيع أن نعبر وبصورة جماعية معاً على طريق إفشال الحل الإسرائيلي الانفرادي من جانب واحد والعمل على انتزاع المبادرة السياسية والدبلوماسية من جديد وذلك بالاستناد إلى انجازات مسيرة شعبنا وبرؤية تقيمية تحدد الاتجاهات والأهداف والأدوات وبصورة واضحة وتستخدم نقاط القوة في يد شعبنا المجسدة بقرارات الشرعية الدولية ومنها قرار محكمة لاهاي الدولية، وذلك من أجل استثمار تضحيات شعبنا ومساره الديمقراطي الذي توجته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة بفعل وطني خلاق قادر على درء المخاطر وتحقيق الأهداف والانجازات .