*نشرت في جريدة الأيام - 13 آب 2002
طالعنا كل من الدكتور حيدر عبد الشافي والدكتور مصطفى البرغوثي والمهندس إبراهيم الدقاق في شهر حزيران من السنة الحالية -أي قبل حوالي الشهر- بالمبادرة الوطنية الفلسطينية، وهي رؤيا تضمنت جملة أفكار تتعامل مع الواقع السياسي والمجتمعي والحقوقي والحياتي الفلسطيني. برأيي، تستحق هذه المبادرة كغيرها من الظواهر والبرامج الفلسطينية وقفة تمحيص ودراسة ومقارنة ونقد، وأن تخضع للمعايير المختلفة، كل حسب مفاهيمه ومرجعياته.
تساؤلات كثيرة راودتني، هل سيكتب لهذه المبادرة النجاح أم لا؟ ما الذي يميز هذه المبادرة عن مبادرات ودعوات أخرى؟ وما هي عناصر القوة فيها التي ستمدها بالطاقة والاستمرارية ؟
ولعلني استقيت الإجابة من النظر إليها بطريقة غير تقليدية، ومن جانب فلسفي أكثر من كونه سياسي أو مجتمعي، فقصدت المحور -أي من تخاطب-، وتطرقت إلى المبادرين ومن هم، كما تعرضت لشموليتها وعدم اكتمالها وأخيرا تلمست الحاجة لها.
المبادرة الوطنية الفلسطينية تخاطب عامة الناس متجنبة الفئوية والعصبوية التقليدية، أي تتوجه إلى المستقلين وغير المؤطرين الذين يشكلون 40-60 % من مجموع السكان الفلسطينيين حسب استطلاعات الرأي المختلفة، وهم الذين تتزايد أعدادهم لأسباب ليست مجال بحثي هذا، وهي أيضا –المبادرة- لم تستثن أحدا مؤدلجا أو مؤطرا .
تنادت المبادرة لان تكون صوت من لا صوت لهم حين أعلنت أنها من اجل دعم الفقراء والمحتاجين وأنها من اجل مكافحة البطالة وتشغيل العاطلين عن العمل، وهي بذلك تكون قد فتحت أبوابها للجميع ليتكاتفوا حول طرحها وليجتمعوا حول أفكارها. وهي أيضا تدعوهم إلى الانخراط في عملية تغيير جذرية وشاملة في مختلف نواحي الحياة، وتوليهم عملية التطوير في الأفكار المطروحة ومواجهة التحديات القائمة ليصبحوا المالكين الحقيقيين لمشروعهم الوطني والكفاحي.
إن أية دعوة يكون هدفها وهمها واعتمادها على الشعب ستلقى النجاح في مسيرتها النضالية من منطلق أن ذلك يؤمن وضوح الاتجاهات والحكمة والإجماع وقوة التأثير. فتحديد الاتجاه، أي وضوح الاستراتيجية في العملية النضالية للتخلص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وحل المشكلات المعقدة مثل الاستيطان وترسيم الحدود ومسألة اللاجئين الفلسطينيين، لا يمكن الخوض فيها إلا بالرجوع إلى تأييد وإجماع الشعب.
ولأن المحور هو الشعب فان حكمة القيادة في إدارة الصراع ستعتمد على إرادة الشعب في إنجاز الانتخابات وفرز ممثليه ومحاسبتهم لاحقا تطبيقا لمبادئ حق المواطنة والشفافية والمحاسبة وسيادة القانون وفصل السلطات، إذا كنا قد وافقنا على أن الشعب يريد أن يكون المالك للمشروع الوطني وصاحب القرار فيه.
وأيضا لان المحور هو الشعب، فالمبادرة ستشكل حالة من الوعي الجماعي يمنحها القوة لإنجاز ما تقدم، و للسبب ذاته فعندما سيشعر الفلسطيني بالأمل والإنجازات المتتالية ستزيد ثقته بنفسه وقوة تأثيره. وهذا هو بالضبط المقصود.
أما بالنسبة لمصدر القوة الثاني للمبادرة فهو تاريخ المبادرين ومصداقيتهم على مر سنين من عمر الكفاح الفلسطيني في مقارعة الاحتلال، فالدكتور حيدر عبد الشافي هو من مؤسسي منظمة التحرير وممن قادوا العملية التفاوضية، بصدق وتفان في واشنطن، وهو الذي استقال من قيادة الوفد المفاوض عندما شعر بالالتفاف على الوفد عام 93، ولاحقا من عضوية المجلس التشريعي عندما أدرك عبثية الاستمرار في عضوية المجلس بعد تهميشه.
أما الدكتور مصطفى البرغوثي، فبالإضافة إلى أنه كان عضوا في الوفد المفاوض وانسحب مع فريق الدكتور حيدر عبد الشافي قبل اوسلو، فانه من ابرز مؤسسي المجتمع المدني الفلسطيني. فبعد نموذج الإغاثة الطبية الفلسطينية عام 79، تفجرت مؤسسات زميلة أخرى انتهجت العمل المؤسساتي كشكل متقدم من أشكال العمل الوطني تحت الاحتلال وحتى قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 94، وإطلاقه لحملة التضامن الشعبية الدولية التي حمت الرئيس ياسر عرفات والمؤسسات الوطنية في اجتياح آذار-نيسان 2002، هذا بالإضافة إلى تطويره لشبكة واسعة من العلاقات الطيبة مع ممثلي المؤسسات الشعبية والرسمية العالمية وحضوره الإعلامي وتقديمه الرؤى المناسبة في الوقت المحدد
أما المهندس إبراهيم الدقاق فيشهد له في قيادة دفة لجان التوجيه الوطني التي تبنت العملية النضالية وإدارة الوطن تحت الاحتلال في الضفة الغربية بعد حرب حزيران 67، ومن ثم انتقاله للعمل في مؤسسات منظمة التحرير في الضفة الغربية المحتلة للمحافظة عليها من بطش الاحتلال.
هؤلاء هم المبادرون بتاريخهم النضالي وبحاضرهم العملي، وهم ما زالوا يمدون الشارع الفلسطيني بالأمل لا لشيء إلا لإيمانهم بهذا الشعب وحقه في أرضه وكيانه مهما اشتدت المؤامرة وطالت .
ويلفت انتباهي أيضا فارق السن بين كل من الدكتور حيدر عبد الشافي والمهندس إبراهيم الدقاق من جهة والدكتور مصطفى البرغوثي من جهة أخرى . لكن هذا مصدر قوة أخرى يضاف إلى أسباب قوة المبادرة التي أطلقوها، فهؤلاء مصدر الحكمة والخبرة والتجربة وهذا مصدر العنفوان وعنوان الشباب والانطلاق والحركة، وهي لفتة وعلامة من علامات الوصل الرائع بين تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني وحاضره ومستقبله وعلى أرضه فلسطين ، فالتكامل بين التاريخ والخبرة والحكمة والتفاني من جهة مع النشاط والدراية بالتكنولوجيا وحسن استخدام الإعلام ورهافة الحس بالهم الوطني من جهة أخرى ستؤدي لا محالة إلى نتائج طيبة تعود على الأمة .
أما بالنسبة لمصدر القوة الثالث فيرجع الفضل فيه إلى شمولية المبادرة وعدم اكتمالها. أعتقد أن المبادرين فعلوا ذلك عامدين متعمدين ، فهم تطرقوا إلى جميع هموم الشعب تحت الاحتلال من سياسية ونضالية ومجتمعية وحقوقية ومدنية ولكنهم لم يقدموا حلولا تفصيلية، وبذلك يكونون قد دعوا أصحاب التخصصات الغيورين من المحامين والحقوقيين والمشرعين لوضع قوانين انتخابية وتشريعية وتنفيذية وقضائية، وأيضا وعلى سبيل المثال لا الحصر دعوا النقابيين لتفعيل نقاباتهم وإبراز دورها ومكانها الطبيعي في قيادة النضال، و توجهوا إلى المربين والمعلمين والى اللجان النسوية واتحاداتها ... (حتى نهاية المبادرة). كل ذلك في دعوة لذوي الاختصاص لخلق ورشة وطنية إصلاحية حقيقية، وأرجو ألا أكون مخطئا في أن القصد من وراء هذا هو استنهاض للهمم بوضع الناس أمام مسؤولياتهم وواجباتهم وحقوقهم في وقت لم يبق فيه للشعب الفلسطيني إلا ذاته وقدراته، وهذه قوة.
كما لم يتعرض المبادرون أيضا لأيديولوجيا محددة ولا لهيكلية تنظيمية مقترحة، بل كان همهم إطلاق الفكرة، أما الإطار فيأتي لاحقا. الفكرة هي الأساس والأهم، والتاريخ الإنساني مليء بتلك التجارب عندما عبد الإطار وبقيت الفكرة على الرف . وربما ترك الهامش واسعا عن قصد أمام المتحمسين لإبراز قدراتهم وملكاتهم السياسية والفنية والإدارية والقيادية لكي يمارسوا ملكيتهم للمشروع الوطني بتشكيل الهيكليات والأطر اللازمة في الوقت المناسب، وهنا قوة.
أما غياب الأيديولوجية وعدم تبني فكر أو مذهب فأعتقد أن المبادرين ومن خبراتهم ومشاوراتهم خلصوا إلى أن جملة الأفكار التي يدعون إليها من مساواة وحقوق، و فصل للسلطات، ومساءلة، وسيادة قانون واعتماد الانتخابات، وإبلاء التربية والعلوم الاهتمام الكافي، وكذلك الحديث عن الفقراء والمحتاجين، ومحاربة الفساد وبناء الاقتصاد ...(إلى آخر المبادرة) لهو منصوص عليه في جميع أدبيات الأيديولوجيات العربية والعالمية المعروفة وغير المعروفة، وبهذا أتت المبادرة لتذكر أن العبرة في الآليات وكيفية التطبيق والمتابعة والالتزام بهذه المبادئ والقيم والأخلاقيات كمرجعيات أساسية لا يمكن المساومة عليها. وهذه بحد ذاتها قوة تضاف إلى قوة المبادرة.
وأخيرا تستمد هذه المبادرة قوتها من حاجة الناس إليها، ففي هذا الوضع المتردي والحصار الخانق، والاجتياحات المتكررة، وتقطيع الأوصال، وتقتيل الأطفال وتشريد الكبار، كل ما سبق يجعل الجميع يقول لقد طفح الكيل، فجاءت المبادرة لتقدم نجما هاديا يدعو الجميع إلى التكاتف ورص الصفوف والعمل سويا، فالمبادرة ناتجة عن حاجة وتلبي حاجة مما يجعلها مطلبا وهذا يضيف قوة إلى قوة .
هل يا ترى هذا ما نفهمه من المبادرة وهل هذا ما قصده المبادرون من أن يكون الشعب محور المبادرة وهدفها وأساسها، ومن أن تكون شاملة وغير مكتملة وأن تكون حاجة وتلبي حاجة!؟، وهل يا ترى المبادرة هي نوع من أنواع ضمان استمرار المسيرة النضالية من أصحاب المصداقية والتاريخ النضالي العريق إلى الشباب المتفجر حيوية ووطنية وعصرية لتأتي قوية مؤثرة؟ هذا ما سنراه وهذا ما ستثبته الأيام القادمة.
طالعنا كل من الدكتور حيدر عبد الشافي والدكتور مصطفى البرغوثي والمهندس إبراهيم الدقاق في شهر حزيران من السنة الحالية -أي قبل حوالي الشهر- بالمبادرة الوطنية الفلسطينية، وهي رؤيا تضمنت جملة أفكار تتعامل مع الواقع السياسي والمجتمعي والحقوقي والحياتي الفلسطيني. برأيي، تستحق هذه المبادرة كغيرها من الظواهر والبرامج الفلسطينية وقفة تمحيص ودراسة ومقارنة ونقد، وأن تخضع للمعايير المختلفة، كل حسب مفاهيمه ومرجعياته.
تساؤلات كثيرة راودتني، هل سيكتب لهذه المبادرة النجاح أم لا؟ ما الذي يميز هذه المبادرة عن مبادرات ودعوات أخرى؟ وما هي عناصر القوة فيها التي ستمدها بالطاقة والاستمرارية ؟
ولعلني استقيت الإجابة من النظر إليها بطريقة غير تقليدية، ومن جانب فلسفي أكثر من كونه سياسي أو مجتمعي، فقصدت المحور -أي من تخاطب-، وتطرقت إلى المبادرين ومن هم، كما تعرضت لشموليتها وعدم اكتمالها وأخيرا تلمست الحاجة لها.
المبادرة الوطنية الفلسطينية تخاطب عامة الناس متجنبة الفئوية والعصبوية التقليدية، أي تتوجه إلى المستقلين وغير المؤطرين الذين يشكلون 40-60 % من مجموع السكان الفلسطينيين حسب استطلاعات الرأي المختلفة، وهم الذين تتزايد أعدادهم لأسباب ليست مجال بحثي هذا، وهي أيضا –المبادرة- لم تستثن أحدا مؤدلجا أو مؤطرا .
تنادت المبادرة لان تكون صوت من لا صوت لهم حين أعلنت أنها من اجل دعم الفقراء والمحتاجين وأنها من اجل مكافحة البطالة وتشغيل العاطلين عن العمل، وهي بذلك تكون قد فتحت أبوابها للجميع ليتكاتفوا حول طرحها وليجتمعوا حول أفكارها. وهي أيضا تدعوهم إلى الانخراط في عملية تغيير جذرية وشاملة في مختلف نواحي الحياة، وتوليهم عملية التطوير في الأفكار المطروحة ومواجهة التحديات القائمة ليصبحوا المالكين الحقيقيين لمشروعهم الوطني والكفاحي.
إن أية دعوة يكون هدفها وهمها واعتمادها على الشعب ستلقى النجاح في مسيرتها النضالية من منطلق أن ذلك يؤمن وضوح الاتجاهات والحكمة والإجماع وقوة التأثير. فتحديد الاتجاه، أي وضوح الاستراتيجية في العملية النضالية للتخلص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وحل المشكلات المعقدة مثل الاستيطان وترسيم الحدود ومسألة اللاجئين الفلسطينيين، لا يمكن الخوض فيها إلا بالرجوع إلى تأييد وإجماع الشعب.
ولأن المحور هو الشعب فان حكمة القيادة في إدارة الصراع ستعتمد على إرادة الشعب في إنجاز الانتخابات وفرز ممثليه ومحاسبتهم لاحقا تطبيقا لمبادئ حق المواطنة والشفافية والمحاسبة وسيادة القانون وفصل السلطات، إذا كنا قد وافقنا على أن الشعب يريد أن يكون المالك للمشروع الوطني وصاحب القرار فيه.
وأيضا لان المحور هو الشعب، فالمبادرة ستشكل حالة من الوعي الجماعي يمنحها القوة لإنجاز ما تقدم، و للسبب ذاته فعندما سيشعر الفلسطيني بالأمل والإنجازات المتتالية ستزيد ثقته بنفسه وقوة تأثيره. وهذا هو بالضبط المقصود.
أما بالنسبة لمصدر القوة الثاني للمبادرة فهو تاريخ المبادرين ومصداقيتهم على مر سنين من عمر الكفاح الفلسطيني في مقارعة الاحتلال، فالدكتور حيدر عبد الشافي هو من مؤسسي منظمة التحرير وممن قادوا العملية التفاوضية، بصدق وتفان في واشنطن، وهو الذي استقال من قيادة الوفد المفاوض عندما شعر بالالتفاف على الوفد عام 93، ولاحقا من عضوية المجلس التشريعي عندما أدرك عبثية الاستمرار في عضوية المجلس بعد تهميشه.
أما الدكتور مصطفى البرغوثي، فبالإضافة إلى أنه كان عضوا في الوفد المفاوض وانسحب مع فريق الدكتور حيدر عبد الشافي قبل اوسلو، فانه من ابرز مؤسسي المجتمع المدني الفلسطيني. فبعد نموذج الإغاثة الطبية الفلسطينية عام 79، تفجرت مؤسسات زميلة أخرى انتهجت العمل المؤسساتي كشكل متقدم من أشكال العمل الوطني تحت الاحتلال وحتى قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 94، وإطلاقه لحملة التضامن الشعبية الدولية التي حمت الرئيس ياسر عرفات والمؤسسات الوطنية في اجتياح آذار-نيسان 2002، هذا بالإضافة إلى تطويره لشبكة واسعة من العلاقات الطيبة مع ممثلي المؤسسات الشعبية والرسمية العالمية وحضوره الإعلامي وتقديمه الرؤى المناسبة في الوقت المحدد
أما المهندس إبراهيم الدقاق فيشهد له في قيادة دفة لجان التوجيه الوطني التي تبنت العملية النضالية وإدارة الوطن تحت الاحتلال في الضفة الغربية بعد حرب حزيران 67، ومن ثم انتقاله للعمل في مؤسسات منظمة التحرير في الضفة الغربية المحتلة للمحافظة عليها من بطش الاحتلال.
هؤلاء هم المبادرون بتاريخهم النضالي وبحاضرهم العملي، وهم ما زالوا يمدون الشارع الفلسطيني بالأمل لا لشيء إلا لإيمانهم بهذا الشعب وحقه في أرضه وكيانه مهما اشتدت المؤامرة وطالت .
ويلفت انتباهي أيضا فارق السن بين كل من الدكتور حيدر عبد الشافي والمهندس إبراهيم الدقاق من جهة والدكتور مصطفى البرغوثي من جهة أخرى . لكن هذا مصدر قوة أخرى يضاف إلى أسباب قوة المبادرة التي أطلقوها، فهؤلاء مصدر الحكمة والخبرة والتجربة وهذا مصدر العنفوان وعنوان الشباب والانطلاق والحركة، وهي لفتة وعلامة من علامات الوصل الرائع بين تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني وحاضره ومستقبله وعلى أرضه فلسطين ، فالتكامل بين التاريخ والخبرة والحكمة والتفاني من جهة مع النشاط والدراية بالتكنولوجيا وحسن استخدام الإعلام ورهافة الحس بالهم الوطني من جهة أخرى ستؤدي لا محالة إلى نتائج طيبة تعود على الأمة .
أما بالنسبة لمصدر القوة الثالث فيرجع الفضل فيه إلى شمولية المبادرة وعدم اكتمالها. أعتقد أن المبادرين فعلوا ذلك عامدين متعمدين ، فهم تطرقوا إلى جميع هموم الشعب تحت الاحتلال من سياسية ونضالية ومجتمعية وحقوقية ومدنية ولكنهم لم يقدموا حلولا تفصيلية، وبذلك يكونون قد دعوا أصحاب التخصصات الغيورين من المحامين والحقوقيين والمشرعين لوضع قوانين انتخابية وتشريعية وتنفيذية وقضائية، وأيضا وعلى سبيل المثال لا الحصر دعوا النقابيين لتفعيل نقاباتهم وإبراز دورها ومكانها الطبيعي في قيادة النضال، و توجهوا إلى المربين والمعلمين والى اللجان النسوية واتحاداتها ... (حتى نهاية المبادرة). كل ذلك في دعوة لذوي الاختصاص لخلق ورشة وطنية إصلاحية حقيقية، وأرجو ألا أكون مخطئا في أن القصد من وراء هذا هو استنهاض للهمم بوضع الناس أمام مسؤولياتهم وواجباتهم وحقوقهم في وقت لم يبق فيه للشعب الفلسطيني إلا ذاته وقدراته، وهذه قوة.
كما لم يتعرض المبادرون أيضا لأيديولوجيا محددة ولا لهيكلية تنظيمية مقترحة، بل كان همهم إطلاق الفكرة، أما الإطار فيأتي لاحقا. الفكرة هي الأساس والأهم، والتاريخ الإنساني مليء بتلك التجارب عندما عبد الإطار وبقيت الفكرة على الرف . وربما ترك الهامش واسعا عن قصد أمام المتحمسين لإبراز قدراتهم وملكاتهم السياسية والفنية والإدارية والقيادية لكي يمارسوا ملكيتهم للمشروع الوطني بتشكيل الهيكليات والأطر اللازمة في الوقت المناسب، وهنا قوة.
أما غياب الأيديولوجية وعدم تبني فكر أو مذهب فأعتقد أن المبادرين ومن خبراتهم ومشاوراتهم خلصوا إلى أن جملة الأفكار التي يدعون إليها من مساواة وحقوق، و فصل للسلطات، ومساءلة، وسيادة قانون واعتماد الانتخابات، وإبلاء التربية والعلوم الاهتمام الكافي، وكذلك الحديث عن الفقراء والمحتاجين، ومحاربة الفساد وبناء الاقتصاد ...(إلى آخر المبادرة) لهو منصوص عليه في جميع أدبيات الأيديولوجيات العربية والعالمية المعروفة وغير المعروفة، وبهذا أتت المبادرة لتذكر أن العبرة في الآليات وكيفية التطبيق والمتابعة والالتزام بهذه المبادئ والقيم والأخلاقيات كمرجعيات أساسية لا يمكن المساومة عليها. وهذه بحد ذاتها قوة تضاف إلى قوة المبادرة.
وأخيرا تستمد هذه المبادرة قوتها من حاجة الناس إليها، ففي هذا الوضع المتردي والحصار الخانق، والاجتياحات المتكررة، وتقطيع الأوصال، وتقتيل الأطفال وتشريد الكبار، كل ما سبق يجعل الجميع يقول لقد طفح الكيل، فجاءت المبادرة لتقدم نجما هاديا يدعو الجميع إلى التكاتف ورص الصفوف والعمل سويا، فالمبادرة ناتجة عن حاجة وتلبي حاجة مما يجعلها مطلبا وهذا يضيف قوة إلى قوة .
هل يا ترى هذا ما نفهمه من المبادرة وهل هذا ما قصده المبادرون من أن يكون الشعب محور المبادرة وهدفها وأساسها، ومن أن تكون شاملة وغير مكتملة وأن تكون حاجة وتلبي حاجة!؟، وهل يا ترى المبادرة هي نوع من أنواع ضمان استمرار المسيرة النضالية من أصحاب المصداقية والتاريخ النضالي العريق إلى الشباب المتفجر حيوية ووطنية وعصرية لتأتي قوية مؤثرة؟ هذا ما سنراه وهذا ما ستثبته الأيام القادمة.