المخرج الوحيد ... تشكيل قيادة موحدة وحكومة وحدة وطنيـة \ بقلم: د. مصطفى البرغوثي

* بقلم : د. مصطفى البرغوثي

لا يخفى على أحد ان الشعب الفلسطيني يواجه واحدة من اخطر الهجمات في تاريخه على مستقبله ولقمة عيشه وحقه في تقرير المصير.
وفي حين تحكم اسرائيل بدعم من أطراف دولية وصمت من أطراف أخرى الحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري على الشعب الفلسطيني باحتجاز أمواله والمساعدات المقدمة له وبمئات الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري، تشن حكومة أولمرت حملتها لفرض واقع الفصل العنصري وتقطيع الاوصال وتستعد لانتزاع مباركة دولية لمصادرة حوالي نصف الضفة الغربية بما فيها القدس ولمشروعها الاحادي لتدمير امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ومبدأ السلام على اساس وجود دولتين.
وحتى لو تم ايقاظ الأم تيريزا من قبرها وتسليمها رئاسة الحكومة الفلسطينية فلن يكفي ذلك لجعل اسرائيل تعترف بوجود شريك فلسطيني. لان جوهر الموقف الاسرائيلي ان التفاوض لم يعد مرغوباً ولا مقبولاً، ما دامت الظروف متوفرة لفرض الامر الواقع الاسرائيلي من جانب واحد ، وما دام الفلسطينيون قد مارسوا خيارهم الديمقراطي وخلقوا واقعاً جديداً بان اتفاقا لن يمر ما لم يحظى بموافقة الناخب والمواطن الفلسطيني.
أما الخلافات الفلسطينية الداخلية المؤسفة فليست سوى ستار دخان يستظل الاحتلال الاسرائيلي به لتنفيذ مخططاته، ويسعى لتوتيره ودفعه ان امكن الى درجة الحرب الأهلية.
ان الصورة الحقيقية لما يجري، تتمثل في تسريع بناء الجدار والتوسع الاستيطاني، وشن حرب من الاجتياحات والاعتقالات وعمليات القصف المتلاحقة في مختلف أرجاء الاراضي الفلسطينية، فيما يشكل الفصل الختامي للمشروع الصهيوني المعدل بالاستيلاء على اكبر كم ممكن من الاراضي، وحشر ابناء شعبنا في معازل وسجون.
انها حرب لا تتوقف سواء قاوم الفلسطينيون او لم يقاوموا.
ونحن في حالة صراع مفتوح من اسرائيل على كل الجبهات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وعندما نواجه كشعب حالة كهذه ونقرأ معالمها بصورة صحيحة، لا يبقى امامنا ما هو أهم من هدف واحد، وهو احباط وافشال المخطط الاسرائيلي وتوفير ادارة صحيحة للصراع دفاعاً عن نفسنا وأبنائنا ومستقبلنا ودفاعاً عن حقنا في الحرية وفي ارساء سلام عادل وأمن حقيقي لمواطنينا وحياة كريمة لهم.
وفي مواجهة هذا الوضع لا بد ان تتضاءل وتتلاشى المصالح والصراعات الفئوية والحزبية، وان تفقد الصراعات البرلمانية والمواجهات الانتخابية من جامعة لاخرى طعمها، لان المنتصر في أي منها يبقى مع المهزوم في نفس باحة السجن المحاط بحراب الاحتلال والمهدد باجتياحات دباباته وآلياته في كل لحظة.
انها الحقيقة المرة .. التي لم تفلح سنوات اوسلو الثلاث عشرة في اخفائها ... ما زلنا تحت الاحتلال، وما زال قطاع غزة السجن الاكبر في العالم، وما زالت السلطة والحكومة واتفاقياتها السياسية والاقتصادية مثل شعبها تحت الاحتلال.
ولا ينفي ذلك ان الشعب الفلسطيني استطاع تمكين نفسه وقدراته عبر الممارسة الديمقراطية التي امتدت من انتخابات الرئاسة للمجالس البلدية وانتهاء بالانتخابات التشريعية.
فتلك الممارسة الديمقراطية الفذة، رغم أنف الاحتلال، قد انهت الى الابد امكانية فرض قيادة صنيعة على الشعب الفلسطيني، وثبتت ان الشرعية في كل منصب قيادي لا تكتسب الا بالانتخابات الحرة واصوات الناخبين. وهي من هذه الناحية انجاز لا تراجع عنه، وبالتالي فان فرصة فرض حلول منقوصة على الشعب الفلسطيني صارت شبه معدومة، ولذلك كان خيار اسرائيل الاستراتيجي – فرض الواقع من جانب واحد.
وبالاستناد الى ذلك الفهم يجب تكوين رؤية استراتيجية فلسطينية لفك الحصار المضروب، واسناد صمود الناس وتوفير لقمة العيش الكريم لهم، ومواجهة المخطط الاسرائيلي وتطويقه على الصعيد العربي والدولي، وابقاء الاجراءات الاسرائيلية في اطار الممارسات غير الشرعية لدولة إحتلال تخرق كل القوانين والاعراف الدولية ومنظومة القيم الانسانيـة.
وتحقيق ذلك يتطلب استراتيجية موحدة وخطة عمل موحدة ونضال موحد. ولا يوجد في فلسطين حزب او فصيل واحد يستطيع القيام بهذه المهمة منفرداً. قبل ستة سنوات اطلقنا دعوتنا لانشاء قيادة وطنية موحدة، وها هو شعبنا يدفع ثمناً باهظاً بسبب التنكر او التراخي او الاستهانة بأهمية تحقيق ذلك الهدف.

ان الاستراتيجية الموحدة، يجب ان تحقق اربعة اهداف فوريـة:-

أولا :- وحدة العمل والنضال الفلسطيني بمعايير وقواعد متفق عليها.
ثانيا :- كسر العزلة الدولية والحصار المالي وفتح الابواب التي لا يريد اصحابها احكام اغلاقها ولا يجرؤون في نفس الوقت على فتحها.
ثالثا :- كسر حلقة الازمة الاقتصادية والمالية واستنهاض طاقات الشعب الفلسطيني في الشتات لاسناد وطنهم وأهلهم.
رابعاً :- افشال مخطط الفصل من جانب واحد – وتطويقه وعزله دوليا بتقديم بديل مقنع يستند الى القرارات الدولية المناصرة لحق الشعب الفلسطيني.

ان الاداة الفورية لتحقيق ذلك، تتمثل في دخول القوى الفلسطينية الثلاث التي ما زالت خارج منظمة التحرير اليها، أي حماس والمبادرة الوطنية والجهاد الاسلامي، وتكوين قيادة وطنية موحدة تقرر بشكل جماعي المواقف والتحركات السياسية والنضالية. ولا يحق لاحد في هذه الحالة الخروج على الاجماع الوطني او الانفراد باتخاذ القرارات، مع الاستمرار بالطبع في اجراءات اصلاح واحياء منظمة التحرير واشراك الفلسطينيين في الشتات في انتخاب هيئاتها.
ويتمثل ثانياً في تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كافة الكتل البرلمانية والكفاءات الوطنية، وتكون نواتها مجلس وزاري مصغر من ممثلي الكتل المشاركة ليتخذ القرارات الاساسية الوطنية والاجتماعيـة.
ويتمثل ثالثاً في تبني الحكومة الموحدة لبرنامج يقر بوثيقة الاستقلال، ويتمسك بحزم بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولتة المستقلة على كامل الاراضي المحتلة عام 67 وفي مقدمتها القدس وبحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ويرفض الاستيطان وجدار الفصل العنصري. ويدعو لعقد مؤتمر دولي على قاعدة القرارات الدولية المناصرة للحق الفلسطيني والمبادرة العربية، وتطرح امامه كافة قضايا الحل النهائي.
ويتمثل رابعاً في التمسك بالنظام الديمقراطي والانتخابات الديمقراطية وتعزيزه، ومعالجة كافة الخلافات بالحوار الوطني وحماية الوحدة الوطنية واستكمال اجراءات الاصلاح الداخلي الشامل وتوفير الامن والامان الداخلي.
ومن الجلي ان برنامج الوحدة الوطنية لن يكون برنامجاً لفصيل معين، واذا كان من حق كل فصيل ان يحتفظ لنفسه ببرنامجه الخاص، فان من واجب الجميع الالتزام بالقاسم الوطني المشترك الذي يحقق في آن واحد وحدة القرار وفعالية التحرك المشترك.
ان حكومة وحدة وطنية لا يمكن عزلها، كما ان قيادة وطنية موحدة لا يمكن الحاق الهزيمة بها، خصوصاً ان انجاز هذين الامرين سيرفع معنويات الشعب الفلسطيني وسيستنهض طاقاته اينما كان وسيفتح الباب على مصراعيه لأوسع حركة تضامن عالمية وعربية معه.
لقد جرب الجميع طرقهم الخاصة، وأجرى الجميع حساباتهم الفصائلية، ولـم يبـق لنا الا طريـق واحـد ..... طريق وحدة الشعب وقيادته الوطنية الموحـدة.

______________________________
* عضو المجلس التشريعي ، الامين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية