مداخلة د. مصطفى البرغوثي/الأمين العام للمبادرة الوطنية ورئيس قائمة فلسطين المستقلة في المجلس التشريعي

لا توجد في القاموس اللغوي كلمات تكفي لإدانة الجرائم الإسرائيلية العنصرية الرعناء ضد شعبنا، وضد لبنان الشقيق، وضد الديمقراطية الفلسطينية، وآخرها جريمة اختطاف رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك إلى جانب ثمانية وثلاثين نائباً يقبعون في سجون الاحتلال.

لكننا لا نجتمع اليوم لمجرد توجيه كلمات إدانة. وإنما لدراسة كيفية التصدي للاعتداءات الإسرائيلية وإبطال مفعولها، والقيام بخطوات مؤثرة تفشل أهدافها.

تريد إسرائيل عبر اعتقال 39 نائباً أي ثلث البرلمان الفلسطيني ان تشل هذه الهيئة التي لم تستطع أن تجتمع معا منذ انتخبت لمرة واحدة بكامل قوامها.

ولذلك فأول إجراء يجب أن نتخذه هو أن يبقى هذا المجلس فاعلاً، بل وأكثر فاعلية عبر مواصلة اجتماعاته وأداء مهامه وإصدار القوانين.

وتريد إسرائيل عبر اعتقالاتها وقمعها، أن تخلخل البنيان السياسي الداخلي وان تبطل نتائج الانتخابات الديمقراطية وان تكسر إرادتنا السياسية وان تدفعنا إلى انقسامات وخلافات، وإيهام البعض أن هذه الاعتقالات لا تمسه.

 وكان ردنا الأولي على ذلك منح شبكة أمان للحكومة، غير أن ذلك لم يعد كافياً. إذ لا بد من نسف الوهم لدى إسرائيل بأنها يمكن أن تقسم صفنا وان تحصل على حكومة تقبل باملاءاتها أو ترضخ لخططها، وذلك يعني الآن الإنجاز الفوري لآليات تطبيق وثيقة الوفاق الوطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية دون المساس بوضع الوزراء المختطفين ومكانتهم، واتخاذ كل الإجراءات لمجابهة إسرائيل بقيادة وطنية موحدة لا تستطيع إسرائيل التحكم في عملها أو إرادتها أو قراراتها.

وقد دمرت إسرائيل عدد كبير من مؤسسات وبنيان السلطة الفلسطينية وجردت إسرائيل السلطة الفلسطينية بكامل هيئاتها من الرئاسة إلى المجلس التشريعي إلى مجلس الوزراء من حصانتها، ومن صلاحياتها، وحتى من حق تنقل أعضائها والآن من حريتهم الشخصية.

وإذا كنا ندرك منذ البداية محدودية قدرات سلطة واقعة تحت الاحتلال، فان إجراءات إسرائيل صارت تهدد وحدة مصير الشعب الفلسطيني عبر تكريس فصل غزة عن الضفة الغربية ومحاولة إرساء واقعين مختلفين في جناحي الوطن، وغدا ملحاً طرح السؤال الأساسي عن أي سلطة نتحدث ولأية أهداف.

ان السلطة تعني أولا خدمة الشعب الذي انتخبها من خلال:-

  1. توفير الموارد المالية وإدارة أموال الشعب وموازنته بشكل سليم وصحيح.
  2. إدارة جهاز موظفي السلطة.
  3. توفير الأمن والأمان للناس.
  4. تمثيل الشعب في علاقاته الخارجية والدفاع عن مصالحه.

فما الذي فعلته إسرائيل بتواطؤ مع عدد من القوى الدولية:

  •  لقد حرمت السلطة من معظم مواردها، بما في ذلك عائداتنا الضريبية
  •  وتشل الجزء الأكبر من جهاز موظفيها بحواجزها وحصارها المالي
  •  ويتعمق الفلتان الأمني والعجز عن مواجهة الاجتياحات الإسرائيلية رغم ارتفاع عدد العاملين في الأجهزة الأمنية إلى خمسة وثمانين ألفا.
  •  وترفض إسرائيل التعامل مع السلطة كطرف ممثل للشعب الفلسطيني.

نحن لا نستطيع البقاء في دائرة ردود الأفعال على ما تفعله إسرائيل.

بل لا بد من إدارة ناجحة للصراع بالخروج على القواعد التي يفرضها الطرف الآخر.

إن ذلك برأينا يتطلب ثلاثة أمــور:-

أولا:  تشكيل قيادة وطنية موحدة تكون خارج إطار السيطرة والإشراف الإسرائيلي ولشعبنا تجربة سابقة ناجحة في الانتفاضة الأولى، ولا يتعارض ذلك مع تفعيل هيئات منظمة التحرير التي جرى تهميشها وإضعافها على مدار السنوات الماضية.

ثانيا:  التمسك بنتائج الانتخابات والآلية الديمقراطية الفلسطينية فلا شرعية لقرار إلا بصوت الشعب الفلسطيني وإرادته، والتمسك بمؤسسات الشعب الفلسطيني وإخراجها من قيود السيطرة الإسرائيلية.

ثالثا:  إعلان رفض القيود وتنظيم حملة منظمة لرفض التعاون أو القبول بالإجراءات الإسرائيلية، أي تحديها ورفض التعامل معها، بما في ذلك حملة شعبية شاملة للمقاطعة في كل مجال.

ودراسة إلغاء الاتفاقيات القائمة ردا على الإجراءات الإسرائيلية التي لم تعد تحترم شيئا منها.

إن الحديث لا يدور عن حل مؤسسات الشعب الفلسطيني دولته المستقبلية، بل عن رفض أن تكون السلطة هيكلا مقيدا بالقيود والإجراءات الإسرائيلية وإذا كانت السلطة جزءاً من بناء مؤسسات دولة مستقلة، فذلك شيء يجب أن نعززه ونقويه.

وان كانت هيكلاً يمثل عبئاً على الشعب الفلسطيني فذلك شيء آخر.

لا يجب أن نسمح بان تصبح السلطة وهيئاتها رهينة بيد الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته.

إننا ندعو لإنهاء التبعية وتكريس الاستقلالية ولكن الشرط الأساسي قبل أي إجراء هو بناء قيادة وإرادة واستراتيجية موحدة ينبع منها القرار الوطني المستقل.

السلطة ليست قيداً علينا ولن نقبل أن تكون رهينة، فالنضال الوطني – والقيادات الوطنية موجودة قبل السلطة وستبقى حتى لو زالت.

ولجميع ذلك نقترح تشكيل لجنة مصغرة من ممثلي القوائم ورئاسة المجلس التشريعي تعمل فوراً على :-

  1. وضع آليات لتطبيق وثيقة الوفاق الوطني.
  2. دراسة إجراءات عملية محددة للرد على الإجراءات الإسرائيلية.