الحكومة والعمل الوطني \ بقلم: بهاء الشطلي

        مازالت الحالة الفلسطينية على ما هي عليه، ولم يطرأ عليها أي تغيير يذكر سوى حالة التراجع واشتداد الحصار، وتبادل الاتهامات، وإطلاق معركة الألسن والمناكفات بين بعض من أحزابها أو بعض المسئولين والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تؤدي إلى حالة حراك سياسي أو اجتماعي مؤثر ومقرر، ويبقى الشعب والقضية هم الضحية دون أن يلتفت إليهم أحد، واختصرت كل الجهود في تشكيل الحكومة وتوفير الرواتب للموظفين المضربين -على أهمية ذلك- باعتبارها غاية وهدف، غير أنها في حقيقة الأمر يجب أن تكون آلية من آليات تعزيز الصمود والتصدي للعدوان والحصار، ورافعة للنهوض بالشعب والقضية، وبالتالي كل ذلك مؤشر على أن مستوى الأداء الفلسطيني دون مستوى التحدي القائم والهادف إلى طمس الهوية الفلسطينية وإنهاء قضيتنا العادلة باعتبارها قضية تحرر وطني.
 
        حتى أن المجلس التشريعي الجديد والذي كان معوّلا عليه لإحداث حالة حراك سياسي واجتماعي وينهي حالة التفرد والحزبية الضيقة ورغم وجود كتل برلمانية فيه – بغض النظر عن صغر حجم بعضها- إلا انه مازال يراوح مكانه ولم نشهد له أي دور فاعل بالنسبة لما يجري على الساحة الفلسطينية سوى توفير شبكة أمان للحكومة بعد اعتقال بعض وزرائها، والمساهمة في إقرار وثيقة الوفاق الوطني، وهذا برأي لا يكفي فهناك حاجة وضرورة وطنية قصوى لدور فاعل له فيما يتعلق بإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية وخاصة على صعيد البرلمانات المختلفة للضغط على حكوماتها لاتخاذ قرارات لصالح القضية الفلسطينية، والحفاظ على المشروع الوطني الهادف لإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على التراب الفلسطيني، ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ومساءلة الحكومة وتحسين الأجواء الداخلية وخاصة فيما يتعلق بتوفير الأمن والآمان للناس عبر مساءلة وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية عن دورها والإجراءات والتدابير التي اتخذت لحماية الناس في ظل تصاعد وتيرة الفلتان الأمني، ولكنه في رأي أضحى منشغلا في قضية رئيسه وبعض نوابه المعتقلين، وانشغلت كتلتاه الكبيرتان في مناكفة بعضهما البعض، دون الارتقاء إلى ممارسة دور حزب حاكم ومعارضة حقيقية تأتي بالنفع للعامة.
 
        إن هذه الحالة تقتضي من الجميع التداعي للتفاكر من أجل إيجاد حلول للخروج من الأزمة، وخاصة ممن هم أصحاب الفكر غير المنضوين في أحزاب حتى لا يكونوا مقيدين بفكرهم ونظرتهم الحزبية، وهنا أقدم اقتراحين فيما يتعلق بشكل الحكومة القادمة أعتقد من وجهة نظري الشخصية يمكن أن يصلحان كحل للخروج من الأزمة الراهنة:
أولا: أن يتم التوافق على تشكيل حومة تكنوقراط – وخصوصا أن هذا الشكل لم يعط الفرصة الكافية لاختباره- من المهنيين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والسمعة الحسنة والنزاهة والوطنية، عبر تكليف شخصية مستقلة يتم التوافق عليها من جميع الفصائل والأحزاب السياسية، تكون م. ت. ف والمجلسين الوطني والتشريعي مرجعيتها ومسئولة أمام الرئاسة الفلسطينية، وتتولى هذه الحكومة إدارة الشؤون الحياتية واليومية للناس، وتتفرغ للعمل الوزاري الإداري البحت، وتتولى الجنة التنفيذية لـ م. ت. ف وقادة الأحزاب والفصائل الفلسطينية المختلفة إدارة الصراع مع العدو، وتجنيد الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي لصالح القضية الفلسطينية للضغط لاستصدار قرار من مجلس الأمن ضد الاحتلال على غرار قرار لاهاي، وعقد مؤتمر دولي، بحيث يتم توزيع الأدوار بين قادة الأحزاب والفصائل والشخصيات الوطنية وأعضاء اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني لاستثمار علاقاتهم مع دول العالم وأصدقائنا وحلفائنا لصالح قضيتنا ومشروعنا الوطني، وعلى سبيل المثال تتولى القوى الإسلامية إدارة العلاقة مع الدول الإسلامية، والقوى اليسارية والديمقراطية مع الدول الاشتراكية ومع الصين وروسيا ودول عدم الانحياز وبعض دول أوروبا، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني مع الدول العربية وبعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أي كل حسب قوة علاقته مع أي من هذه الدول والقوى، بحيث يوحد الخطاب السياسي، وتوحد إستراتيجية العمل الوطني بما يخدم المشروع الوطني الفلسطيني وصولا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.
 
ثانيا: إذا ما كانت الحاجة أكثر إلى حكومة وحدة وطنية، فالأفضل أن تشكل من الصف الثاني من قيادة الأحزاب والقوى الفلسطينية على أساس من الكفاءة والنزاهة، ويبقى قادة الصف الأول للتفرغ لتفعيل م. ت. ف باعتبارها المرجعية الأولى للعمل الوطني ولإدارة العلاقة والعمل السياسي على الصعيد الدولي والإقليمي والعربي بالكيفية التي ذكرناها سابقا.
 
باعتقادي أن هذا الشكل من العمل والتشكيل الوزاري قد يكون هو المخرج من الأزمة الراهنة باعتباره يرتكز على تقاسم الأدوار وتخصصها، وعدم تركيز كافة المهمات في أيد البعض ويشكل مدخلا لتوحيد العمل والخطاب الوطني ويؤسس لوضع إستراتيجية تحرك وطنية تمكنا من إدارة شؤون السلطة الوطنية على المستوى الداخلي وإدارة العمل السياسي على المستوى الخارجي دون أي تضارب أو تداخل ودون أن يكون أحدهما على حساب الآخر وسحب كل الذرائع والمبررات أمام المجتمع الدولي لفرض أي عقوبات جماعية أو حصار، وفيه قطع الطريق على العدو لتزوير الحقائق أو فرض وقائع جديدة.
 
إن التحدي يفرض علينا جميعا أن نتوحد وأن ننسى خلافاتنا لصالح المشروع الوطني التحرري وأن نغلب التناقض الرئيسي مع العدو على أي تناقض داخلي فصائلي، فلا وقت لخلافاتنا الحزبية الضيقة، فالمتغيرات الدولية والإقليمية تشير إلى وجود مخطط لفرض حلول جزئية من شأنها الانتقاص من الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، مما يفرض علينا أخذ زمام المبادرة والتحرك الجاد وفق رؤية وطنية فلسطينية لإنهاء الصراع بما يخدم إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين، وإسقاط جدار الفصل العنصري، وإزالة المستوطنات باعتبارها ثوابت وطنية لا يجب المساس بها أو تجاوزها.