إلى أين نتجه ؟؟ بقلم د. عبد الله أبو العطا

يكثر الحديث هذه الايام عن الوضع الداخلي الصعب و المعقد ، و كثيرا ما يتردد على السنة الناس السؤال  ما العمل ؟  و  الى اين نتجه ؟ ، بحيث اصبح بالفعل سؤالاً مقلقا و محيرا يشغل بالهم جميعا ، لأن أحدا لا يعرف بالضبط الى أي مدى ستصل الأمور و الى متى سيبقى الحال معلقا هكذا ، و هل نحن وصلنا الى قاع البئر ام اننا لازلنا في منتصف الطريق معلقين و ان الآتي اعظم ،  لا احدا يملك الجواب على ذلك ، فهل نحن مقبلون على حرب اهلية كما يحدث في العراق مثلاً او الصومال و افغانستان و اماكن كثيرة من هذا العالم التي تعصف بها الحروب و النزاعات  ، ام هل سنتمكن من احداث انفراج لهذه الازمة و نخرج من هذا الوضع المأساوي الذي لا يسر الصديق و لا يكيد العدا .
 
إن الأزمة التي تعصف بنا هذه الأيام طغت على كل شيء و أصبحت كابوسا مخيفا و حلما مزعجا يؤرق حياة الناس و بقض مضاجعهم ، فهي محور أحاديثهم اليومية و تطغى على كل نقاشاتهم و باتت أحاديث الشارع كله ، الخاصة منه و العامة ، حديث السياسيين و المثقفين ، حديث العامل و البائع و السائق و الموظف المطحون بغلاء المعيشة و ارتفاع الأسعار . و ما يزيد الأمور ألما و تعقيدا هو اننا و نحن نعيش هذا الهم اليومي الذي يطغى على كل تفاصيل حياتنا  نسينا اننا نعيش تحت الاحتلال بما يحمله من قهر و قمع و اذلال ، كما غاب عنا  اننا لازلنا نعيش مرحلة تحرر وطني لم ينجز منها سوى القليل القليل ، و أمام هذا الانشغال للبحث عن مقومات الصمود و البقاء على الارض و توفير لقمة العيش الكريم لأطفالنا نجد ان الحديث عن الهم الوطني الكبير غاب و تنحى جانبا ، حيث قلما نسمع الآن الحديث عن القدس و ما يجري فيها من تهويد و توسيع للمستوطنات و الجدار الفاصل و وصلنا لدرجة اصبح فيها التوغل و الاجتياح و القصف العشوائي و القتل اليومي شيئا روتينيا و معتاداً ، و وصل الأمر الى حد ان بعض السياسيين الكبار في بلادنا اصبح يتحدث عن سيناريوهات الانقلابات المحتملة و نظريات المؤامرة و حل الحكومة و تشكيل حكومة طوارئ و اجراء انتخابات جديدة في صراع محموم على السلطة ، و هناك من يريد زيادة عدد القوات التنفيذية و نشرها في الضفة الغربية ، و يزداد التراشق الاعلامي و الخطابي و تبادل الاتهامات الى حد ينذر بوقوع الكارثة بدلا من البحث عن القواسم المشتركة التي تجنبنا هذا الصراع الذي لا يصب في مصلحة احد و لا يفيد سوى اعداء شعبنا ، و بدلا من البحث عن حلول و مبادرات سياسية تشكل مخرجا لهذه الازمة يجنبنا السقوط و الضياع و العواقب الوخيمة .
 
فنحن لدينا الآن حكومة شرعية تستمد تفويضها من المجلس التشريعي المنتخب ، و لدينا رئيس سلطة وطنية منتخب من الشعب ايضاً ، فالحكومة جاءت على اساس برنامج التغيير   و الاصلاح و استمرار المقاومة و عدم الاعتراف باسرائيل ، و الرئيس جاء على اساس برنامج يقضي بحل الدولتين لشعبين عن طريق المفاوضات و اعتماد المبدأ الديمقراطي وضمان التعددية السياسية في الساحة الفلسطينية ، و هنا المأزق الكبير ، اذ كيف يمكن ان يتعايش هذان البرنامجان المتناقضان و كلاهما يستمد شرعيته و تفويضه من الشعب مباشرة ؟
 
و امام استفحال هذه الازمة و تضارب المواقف و الرؤى السياسية و عدم وجود طرف ثالث قوي و فاعل و ضياعه ، و عدم تبلوره بعد في الساحة الفلسطينية ، و نتيجة التدخلات الخارجية و وجود اجندات مختلفة تعبث بالشأن الفلسطيني الداخلي أصبح المواطن الفلسطيني العادي بين المطرقة و السندان ، و بعد ان كان مهددا من الاحتلال مباشرة أصبح الآن يطحن و يسحق و يدفع ثمن هذه التجاذبات و الاستقطابات الحادة و الصراع المحتدم على السلطة بين من فقدوها نتيجة حصاد ما زرعوه خلال سنوات عديدة شابها الكثير من الاخطاء            و التجاوزات و سوء الأداء الاداري و التفاوضي و غياب المرجعيات السياسية و الوطنية حتى جاءت الثمار بما لا تشتهيه الأنفس ، أما البعض الآخر فكان يحضر نفسه جيدا و يعد العدة لهذا اليوم بعدما تهيأت له كل الظروف و استفاد كثيرا من اخطاء الآخرين التي لم تعالج في حينها و طرح شعار التغيير و الاصلاح الذي كان ينادي به الكثيرون حتى من داخل حركة فتح نفسها  و حصدوا نتيجة لم تكن متوقعه بهذا القدر حتى من حركة حماس نفسها ،    و لا تعبر بالضرورة عن قوتها الانتخابية .
 
و في ظل هذه التناقضات الغريبة و العجيبة و في ظل التدخلات الأجنبية ، العربية منها      و الاقليمية ، و حالة الحصار الاسرائيلي و الدعم الأميركي و التواطؤ العربي و الاوروبي الذي لم يسبق له مثيل ، يقف الكل الفلسطيني حائرا و عاجزا و يتساءل بمرارة و حسرة : الى اين نحن نسير ؟ فالحكومة ماضية في تمسكها بمواقفها و ثوابتها و غير مستعدة لتنقديم أي تنازلات و مواقفها تتسم بالكثير من ردود الافعال ، و حركة فتح التي خسرت الانتخابات تحاول لملمة صفوفها و مداواة جراحها و استعادة امجادها الضائعة و البحث عن مخارج لهذه الأزمة ، حتى جاءت وثيقة الأسرى كعصا سحرية لمعالجة الوضع المأزوم و المتردي       و الخروج من النفق المظلم ، فعاد الامل و التفاؤل و ازداد النشاط و كثرت الحركة السياسية و الاجتماعات حتى تم التوصل بعد عناء طويل لما يعرف بوثيقة التوافق الوطني على اساس تلك الوثيقة بعد اجراء بعض التعديلات عليها ، و كثر الحديث عن قرب التوصل لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية و ازداد حديث الشارع عن هذا الانفراج و عبر عن ارتياحه و ترحيبه بهذا الاتفاق ،  و تم تداول بعض الأسماء المحتملة لأعضاء الحكومة و عدد المقاعد لكل فصيل ، فهذا وزير الخارجية و ذاك وزير المالية و فلان للداخلية و غيره للصحة و هكذا الى ان بدأت ردود الفعل تصدر من هنا و هناك و التدخلات في الشأن الفلسطيني عادت تظهر من جديد بين مؤيد و معارض و متحفظ على هذا الاتفاق و على شكل الحكومة لدرجة اضحى فيها القرار الفلسطيني مسلوبا و ليس فلسطينيا و لا علاقة للفلسطينيين به و محكوم بالفعل     و ردات الفعل لهذا الطرف او ذاك و بدأت تظهر التباينات و التفسيرات و المواقف المختلفة من جديد ، و ازداد التراشق الاعلامي و الاحتقان ، حتى وصلت الأمور الى ما وصلت اليه من اقتتال و اراقة دماء و انهيار كل الخطوط الحمراء التي طالما تحدثنا عنها و حذرنا من تجاوزها .
 
و الآن و بعد كل ما جرى و يجري نقول بصوت عال و مسموع : كفى لكل هذه المهاترات  و الصراعات فالوطن يعز علينا جميعا و هو اكبر من الجميع و فوق الجميع ، و الانسان الفلسطيني اغلى و اعز ما نملك ، يجب ان نحافظ عليه و نحفظ كبريائه و نصون كرامته    و نحترم مشاعره الانسانية و نحل مشاكله التي هي فوق طاقة البشر و قدرتهم على التحمل ، فالمشوار لازال طويلا و معركتنا مع الاحتلال لم تنته بعد و هذا يتطلب منا جميعا رص الصفوف و ترتيب اوضاعنا الداخلية و استخلاص العبر و الدروس و وضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل الاعتبارات الحزبية و الفئوية و السير بخطى ثابتة الى الأمام و عدم الالتفات الى الوراء للخروج من حالة الفوضى و الشرذمة و وضع حد لحالة الفلتان و استنهاض الارث الكفاحي و التاريخي العريق ، و علينا ترتيب البيت الفلسطيني و تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية و مؤسساتها على اسس وطنية و كفاحية و النهوض بها لتحمل الاعباء الجسيمة   و كسر طوق العزلة و الحصار المفروض علينا و الخروج من هذا النفق و تشكيل حكومة الوحدة الوطنية العتيدة لنتقدم بها الى العالم موحدين في الأداء و الموقف السياسي بشكل يكسبنا احترام و اعجاب العالم و يجبره على التعاطي معنا بشكل صحيح بما يحقق اهدافنا و تطلعاتنا الوطنية المشروعة .

عضو اللجنة التنسيقية للمبادرة الوطنية
قطاع غزة