أطراف النهار
حسن البطل
سبقني صحافي اسرائيلي إلى قطف التفاحة عن الشجرة، أو إلى أدق وصف لحكومة الائتلاف القومي الفلسطينية: هي الحكومة الوحيدة بين حكومات العالم التي تعقد اجتماعاتها عن طريق نظام الربط (الدائرة التلفازية المغلقة = الفيدو كنفرنس).
بم سبقت حكومتنا حكومتهم، غير ان حكومتنا اكثر تمثيلاً؟ لاحظ خبيرهم الاحصائي سيفر بلوتسكر انها الحكومة الفلسطينية الاكثر توازناً، حيث تضم اصوليين وعلمانيين.
لدينا، مثلاً، وزير اعلام وليس لديهم، حيث كان الجنرال أهارون ياريف، مفاوض الفريق المصري عبد الغني الجمسي في الكيلو متر 101، اول وزير اعلام اسرائيلي.. وآخر وزير.
لاحظ عكيفا الدار ("الايام" الجمعة 13 آذار، نقلاً عن "هآرتس" الخميس 12 آذار) ان وزير الاعلام الفلسطيني الجديد يتحدث الانكليزية بطلاقة تبز وزير خارجيتهم السيدة تسفي ليفني.
في مقدور د. مصطفى البرغوثي (دكتور في الطب لا في الاعلام والبروباغندا) ان يعطي تفسيره لما ورد في البيان الوزاري الفلسطيني لجهة حق الشعب في المقاومة. الوزير البرغوثي جرح مرتين في تظاهرات سلمية لنشطاء السلام الفلسطينيين والاسرائيليين في قرية بلعين، وتعرض لمخاشنة جنودهم على حواجز عديدة، بل و"تسلل" إلى القدس ابان حملته الانتخابية، ورأيته مرات عديدة يتصدر المسيرات من دوار "المنارة" الى بوابة "المقاطعة" وقت كان الرئيس عرفات في الحصار، والدبابات على بعد عشرات الأمتار بعد بوابات المقاطعة.
أعرف ان "شعبية" البرغوثي أقل من صيته الدولي والاسرائيلي، غير انه واحد من قلة سياسيين فلسطينيين تتوفر فيهم مزايا "السياسي"، ومنهم: ابو علاء، ياسر عبد ربه، ابو ليلى.. إلى حد ما بسام الصالحي.
ما هي مواصفات السياسي؟ ان "ينشق" عن حزبه مثلاً، وان يجرب نشاطات سياسية ومجتمعية، مثل الترشيح للبرلمان الاول.. والفشل، والترشيح للرئاسة.. ثم النجاح في تشكيل قائمة ائتلافية للانتخابات البرلمانية، والنجاح في احراز مقعد برلماني. فحقيبة وزارية.
من بين الانتقادات المعنوية التي يتعرض لها الرجل السياسي - السياسي الفلسطيني النزعة الشخصانية مثلاً، والاحساس الزائد بالذات وهو انتقاد محق ويغدو غير محق اذا استطاع الرجل السياسي - السياسي ان يملأ منصبه الوزاري، وان يجدد في الخطاب الاعلامي الفلسطيني.
اذا كان السيد البرغوثي متحدثاً بارعاً بالانكليزية.. فهذا هو المطلوب من وزير اعلام في حكومة تحت الاحتلال لشعب وحكومة تحت الحصار. فاذا كان وزير الاعلام يتقن استخدام "حرب الصورة" فهذا هو الموجود- المفقود في سياسة اعلامية فلسطينية ناجحة.
على ما سبق، سرني، بصفتي جئت للصحافة من خنادق الدعاوة (البروباغندا)، حسن استخدام الوزير البرغوثي للصورة الشهيرة التي وزعتها كبريات الوكالات العالمية، ونشرتها عموم الصحف الفلسطينية على صدر صفحاتها الاولى يوم الخميس 22 آذار، حيث كلب بوليسي يعض يد مواطنة فلسطينية في بلدة العبيدية.
ثلاثة جنود مدججين وكلب مدرب.. وامرأة فلسطينية واحدة؟ صورة بليغة تغني عن مقال، كما بلاغة صورة الفلاحة العجوز التي ترفع ذراعيها لله تعالى، بينما اسنان جرافتين خلفها تدكان بنيان منزل فلسطيني في حلحول. قبل هذه وتلك استحقت صورة عن عريسين يحتفلان بزفافهما على "خط الجبهة" في قرية بلعين.. ويحتضنان بعضهما بعضاً من دوي القنابل الصوتية والغازية، جائزة "صورة العام" لجامعة اميركية في "لاس فيغاس" المشهورة بمرابع اللهو.. وهذه صورة عالمية فلسطينية أخرى بعد صورة الطفلة الباكية على ساحل بحر غزة فوق جثة والدها وامها واخواتها.. وكذا صورة محمد الدرة الشهيرة.
لأسباب معينة، في صلب توازن تشكيل الحكومة، لا تشمل صلاحية وزير الاعلام الجديد الاشراف على وكالة الانباء الرسمية (وفا) ومؤسستي الاذاعة والتلفزيون، خلاف، ما كان عليه الحال ابان تولي نبيل شعث وزارة الاعلام.
مع ذلك، يقاس نجاح كل وزير في وزارته بقدرته على استخدام صلاحياته المتاحة أجدى استخدام ممكن. لدينا حكومة هي الاكثر تمثيلاً، وهي ديمقراطية وتعددية.. واسرائيل تخرق معاهدة جنيف اكثر مما تخرقها الفصائل الفلسطينية في بعض عملياتها العسكرية.
ننتظر من وزير الاعلام ان يخوض حرب الكلمة وحرب الصورة.. وحرب القانون الدولي، أي حسن استخدام قرار محكمة "لاهاي" ضد الجدار الفاصل.
كم يبدو بعيداً زمن شكاوى عربية عن سيطرة اليهودية العالمية على وسائل الاعلام العالمية.. وكم يبدو راهناً شكوى بعض الاسرائيليين من الاعلام الفلسطيني.. واعلامهم أيضاً.
حـســن البطــل