البرغوثي ينقل الكرة للملعب الإسرائيلي بقلم: عكيفا الدار

(المضمون: الدكتور مصطفى البرغوثي ينقل الكرة الى الملعب الاسرائيلي من خلال منصبه كوزير للاعلام في حكومة الوحدة والعالم يتجاوب معه حاليا - المصدر).

في الخريف الماضي سنحت لي الفرصة لحضور محاضرة لمصطفى البرغوثي في أحد اللقاءات والورشات التي تعقد في اوروبا. الشيوعي السابق الذي كان في ذلك الحين معارضا بارزا لأبو مازن، واليوم وزيرا للاعلام في حكومة الوحدة الفلسطينية، قام بادخال قرص في حاسوبه المتنقل وعرض على الشاشة خارطة الضفة. الدكتور (في الطب) قام بعرض مسار الجدار الفاصل التوسعي، ومن هناك انتقل الى خارطة الحواجز، ومن ثم الطرق المحظورة على العرب، وأخيرا كانت التحلية على صورة خريطة "الجيوب" المعزولة. كلماته الصعبة قيلت بانجليزية يمكنها أن تثير غيرة عدد غير قليل من الدبلوماسيين الاسرائيليين، بما فيهم الدبلوماسية رقم واحد، تسيبي لفني، التي تشن معركة للتصدي للاعتراف الدولي بحكومة الدكتور مصطفى البرغوثي.

هذه المقاطعة تحول المنافسة بين وزارة الخارجية الاسرائيلية ووزارة الاعلام الفلسطينية حول الرأي العام العالمي، الى معركة غير متكافئة، إلا أن الجانب الفلسطيني يتقدم فيها في الوقت الحالي. "أنا أبدأ من الصفر تقريبا"، قال البرغوثي أمس الاول، "لدي ميزانية تبلغ 43 ألف شاقل في الشهر لتغطية النشاطات و198 موظفا تسلموا اربعة رواتب فقط في السنة الأخيرة".

البرغوثي يأمل أن يكون اللقاء بين القنصل الامريكي في القدس ووزير المالية الفلسطيني سلام فياض، أمس الاول، الذي عُقد بالتزامن مع زيارة نائب وزير الخارجية النرويجي، ريموند يوهانسن، في ديوان رئيس الوزراء اسماعيل هنية مُبشرا بنهاية المقاطعة الدولية. يوهانسن، الضحية الاولى للمقاطعة الاسرائيلية المفروضة على من يخرقون المقاطعة المفروضة على حكومة الوحدة الجديدة، قال لصحيفة "هآرتس" بأنه يتوقع أن تفهم دول اخرى في اوروبا بأنها اذا كانت تتوقع حكومة فلسطينية علمانية فستضطر للانتظار مدة طويلة جدا. السياسي النرويجي وعد الفلسطينيين بالبحث مع دول الجوار والاتحاد الاوروبي عن آلية تسمح باستئناف التحويلات المالية للمناطق.

من المهم للبرغوثي ايضا أن ينقل رسالة للجمهور الاسرائيلي. الحواجز المادية حسب قوله لا تؤدي فقط الى منع الفلسطينيين من الدخول الى اسرائيل، وانما تُبعد الاسرائيليين عن الواقع الصعب الموجود هناك. "من حق الاسرائيليين أن يعرفوا الحقيقة حول الحياة تحت الاحتلال، وأن يدركوا الرواية الفلسطينية للمجريات. عليكم أن تعرفوا أن حكومتكم تحتجز 600 مليون دولار من عوائد الضرائب الفلسطينية. هذا المال هو نتاج عرق العمال الفلسطينيين وهو ضروري لمعالجة المرضى ودفع رواتب المعلمين. حتى الآن كنتم تدعون أن السلطة ستستخدم المال لأهداف اخرى، ولكن وزارة المالية اليوم موجودة بيد سلام فياض الذي يتمتع بثقتكم وبثقة الامريكيين. أنا أريد سؤال الجمهور بأي حق تحتجز حكومته هذه الاموال؟".

البرغوثي يرفض ادعاء نائب وزير الحكومة، شمعون بيرس، الذي ادعى أن المالية الاسرائيلية تقوم بتحويل هذه الاموال للجان الزكاة: "هذا الامر غير صحيح بكل بساطة. المال الوحيد كان 100 مليون دولار أُعطيت لأبو مازن لمرة واحدة. من الأجدر بكم أن تدركوا أن 80 في المائة من الفلسطينيين موجودين تحت خط الفقر ليس فقط بسبب ايقاف التبرعات الدولية. الوضع الصعب ناجم بصورة رئيسية عن مصادرة عوائد الضرائب الخاصة بنا وبسبب الحواجز التي حولت غزة الى أكبر سجن في العالم. غزة بقيت محتلة، وإن كان من خلال الجو والوسائل الالكترونية الاخرى. اسرائيل تواصل السيطرة على الارض بطرق غير مباشرة. أوضح سبب عدم قدرتنا على المرور من رفح الى مصر؟ أنا آمل أن ننجح في طرح هذه الحقائق على الجمهور الاسرائيلي حتى يفهم موقفنا".

البرغوثي لا يريد من الاسرائيليين أن "يصنعوا معه معروفا"، ويرفض تقديم أي خصميات لهم. المبدأ الأساسي بالنسبة له هو مبدأ التبادلية. اذا لم تمارس اسرائيل العنف فسيمتنع الفلسطينيون عن العنف، واذا لم تتنازل اسرائيل عن شرقي القدس قبل البدء في المفاوضات حول التسوية الدائمة، فلن يصرح الفلسطينيون مسبقا بأنهم يتنازلون عن حق العودة، واذا لم تقم وزارة التربية الاسرائيلية بقبول اعادة الخط الاخضر الى المناهج الاسرائيلية، فلن تقوم وزارة التعليم الفلسطينية بتعديل كتبها الدراسية. البرغوثي يقترح تشكيل لجنة مهنية اختصاصية محايدة لدراسة الكتب التعليمية عند السلطة وعند اسرائيل.

البرغوثي يقول انه أعلم الامريكيين بعدم وجود حكومتين فلسطينيتين، وأنه لن يكون هناك تمييز بين وزير وآخر طالما اعتمد الامر عليه. البرغوثي كناطق متفاخر بلسان حكومة الوحدة، وكونه غير محسوب على نشطاء الاحزاب الكبيرة - حماس وفتح - يسعى الى توضيح مواقف التيارات التي اضطرت الى التوقيع على اتفاق مكة. جهوده في العادة تنجح بصورة جيدة. "لدينا حكومة ديمقراطية تعددية وممثلة لـ 95 في المائة من الفلسطينيين مع برنامج تقدمي في المسائل الاجتماعية مثل حقوق النساء والمعاقين ومنع العبودية ومكافحة الفساد. الحكومة التي تتمتع بدعم واسع هي الضمانة لنجاح اتفاق السلام الذي توقع عليه".

وماذا بالنسبة لبند "مواصلة المقاومة" الوارد في خطوط الحكومة الأساسية؟ البرغوثي، المعروف بكونه مؤيدا غير شديدا للمقاومة غير العنيفة، جُرح مرتين في مظاهرات نشطاء السلام الفلسطينيين والاسرائيليين والدوليين ضد الجدار الفاصل في منطقة قرية بلعين. "الارهاب هو عملية ضد المواطنين، وهو يتناقض مع القانون الدولي. أنا اؤمن بالمقاومة الشعبية غير العنيفة. نحن ايضا مثل كل الشعوب نملك الحق في مقاومة الاحتلال وفقا للقوانين والاتفاقات الدولية. وخطوطنا الأساسية عبرت عن احترامها لهذه القوانين. اسرائيل هي التي تخرق معاهدة جنيف".

عندما يصل البرغوثي الى النواة الصلبة - التملص من الاعتراف الصريح باسرائيل وذكر حق العودة - تلمس الصعوبة التي يواجهها وزير الاعلام الفلسطيني في الدفاع عن حكومة الوحدة. البرغوثي ينتقل من اتفاق مكة الى قمة الرياض ملتفا بصورة رقيقة على الخطوط الأساسية للحكومة الجديدة.     "أبو مازن وهنية سيتوجهان الى قمة الرياض في الاسبوع القادم حيث ستطرح المبادرة العربية التي أطلقت من بيروت قبل خمس سنوات". هذه المبادرة لا تعرض على اسرائيل الاعتراف فقط وانما تصل الى التطبيع وتشترط موافقتها على كل حل يتم الاتفاق عليه لمشكلة اللاجئين، يقول البرغوثي.

بعد القمة ينوي البرغوثي دعوة الاسرائيليين من دُعاة السلام الى مطالبة حكومتهم بالشروع في مفاوضات مع أبو مازن على أساس قرارات الجامعة العربية. هو يُذكر بأن الحكومة الفلسطينية قد فوضت الرئيس لاجراء المفاوضات باسمها، وطرح الاتفاق على الاستفتاء الشعبي أو على المجلس الوطني الفلسطيني. البرغوثي يقول ان الاستفتاء سيشمل الشتات الفلسطيني ايضا. ليس واضحا كيف يمكن اجراء استفتاء شعبي في خمس قارات، وخصوصا أي استقبال سيُعده ممثلو حماس في المجلس الوطني الفلسطيني لاتفاق سلام يفتقد لحق العودة. ولكن البرغوثي يبدو متفائلاً.

مقال نشر في صحيفة هآرتس - بتاريخ - 22/3/2007