خاص بـ"أمين"
لست من معسكر محبي الدكتور مصطفى البرغوثي، وزير الإعلام الجديد، ولا من معسكر مبغضيه. وهو، لسوء حظه أو حسنه، يملك أناسا كثيرين في المعسكرين....
لكن علي أن أعترف، كما يعترف الآلاف من الناس في الشارع الفلسطيني الآن، أنه لم يحتج إلا لبضعة أيام كي يثبت أن وزارة الإعلام يمكن ان تتحول من وزراء تافهة، إلى وزارة مقاتلة وخطيرة. وكي يثبت، أيضا، أنه طراز آخر عن الوزراء الذين عرفناهم حتى الآن.
أيام قليلة لا غير احتاجها كي ينهي مرحلة كاملة برموزها!
فمن يتذكر الآن وزراء إعلام كثيرين مثل نبيل عمرو، نبيل شعث، ووزير إعلام "حماس" الذي لا أتذكر اسمه حتى، إضافة وكلاء وزارة الإعلام الذين كانوا في الواقع يتولون مهمة الوزراء؟ من يتذكر أنهم كانوا هنا؟
لا أحد. أؤكد لكم: لا أحد.
فهؤلاء كانوا مشغولين بأشياء أخرى غير المعركة الإعلامية مع إسرائيل. وزراء "فتح" ووكلائها كانوا مشغولين بمصالحهم، ووزير "حماس" كان يعيش في القرن السادس عشر الميلادي.
بضربة واحدة، وخلال أيام، أنهى مصطفى البرغوثي مرحلة، وفتح باب مرحلة.
وماذا كان بين يديه؟ هل كان يملك أكثر مما ملكوا؟
لا، لم يكن.
على العكس فهو يملك أقل مما كانوا يملكون من إمكانيات. كل ما كان يملكه هو شريط سيدة ينهشها كلب، وشريط فيه جنود إسرائيليون يضربون فتى ويهينونه- والشريط الأول كان موجودا ومعروفا قبل أن تتشكل الوزارة حتى-. هذا كل شيء. ثم بعد ذلك إرادته ورغبته في الكفاح، وخبرته. الإرادة والروح الكفاحية.
وهذا ما لم يكن غيره يملكه.
جميع وزراء الإعلام، جميع الناطقين باسم الحكومة والرئاسة، باسم "فتح" و"حماس"، وضعوا في الظل الآن. ولا شك بأنهم يحسون بأن زمنهم قد انتهى.
ولأن مصطفى البرغوثي نجح، فسوف يكرهه الإسرائيليون، وسوف يحاولون الإساءة إليه. فهو الذي يضعهم على المحك، ويقول لهم: كل شيء بالتبادلية. تريدون تغيير مناهجنا؟ طيب نحن نريد تغيير مناهجكم أيضا. هذه بهذه. تريدون الاعتراف؟ حسنا، اعترفوا إذن بدولة فلسطينية على الأرض. هذه بهذه، ولا شيء مجانا.
ومصطفى لم يكن يخترع شيئا حين يقول هذا. فقد كان ينبغي لهذا الكلام أن يقال من قبل. لكنهم لانعدام كفاءتهم، ولانشغالهم بأمورهم الشخصية، لم يكونوا يقدرون على قوله، أو التفكير في قوله.
سوف يكرهه الإسرائلييون. لكن بعض الفلسطينيين سيكرهونه أكثر. سيكرهونه بعمق، لأنه كشفهم، وكشف لاضرورتهم. سيكرهونه وينصبون له الفخاخ.
لكنه يستطيع أن يصمد ويستمر، بعد ان اخذ يحظى بثقة الناس.
لست من محبي مصطفى البرغوثي ولا من مبغضيه
لم أصوت له في الانتخابات الرئاسية
ولم أصوت لغيره
ولم أصوت له في الانتخابات النيابية
لكن علي أن أعترف أنه، بضربة واحدة، وفي بضعة أيام، وضع أمامنا نموذجا مختلفا للوزير، ولوزير الإعلام، وللناطقين...
لقد وضع نموذجا للمحارب الإعلامي
نهنئه على ذلك
نهنئ أنفسنا أيضا
نحن الذين أصبحنا، ربما، من معسكر محبيه!
* كاتب وروائي فلسطيني يقيم في رام الله. zak_cyclamen@yahoo.com