تحتضن مدينة بيت لحم مؤتمر فلسطين للاستثمار، الذي يأتي بعد انعقاد مؤتمر الدول المانحة قبل خمسة شهور في باريس، تبنت الدول المانحة على عاتقها خطة الإصلاح والتنمية للسنوات الثلاث القادمة (٢٠٠٨ - ٢٠١٠) وتعهدت بدعم السلطة الوطنية الفلسطينية بما يزيد عن ٧ مليارات دولار من أجل تطبيق تلك الخطة، وقد عقد في ظل وجود القطاعين العام والخاص، بهدف تهيئة المناخ الاستثماري المناسب وإحداث تنمية اقتصادية مؤثرة ومساهمة في تحقيق التنمية المستدامة.
لقد أصبح هذا المؤتمر منبراً للشراكة بين المستثمرين الفلسطينيين سواء في الداخل أو في الخارج، والعمل على قاعدة الاستثمار المشترك في قطاعات اقتصادية واعدة في مختلف أنحاء فلسطين، على الرغم مما يثار حول آليات ونتائج هذا المؤتمر ورؤيته المستقبلية للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني والذي عاشه مرارة قاسية في ضرب اقتصاده بل وتدميره.
ومن محددات الاستثمار الذي يجمع أفكار كل المستثمرين التي جاؤوا من أجلها إلى فلسطين أولاً الربح، فالربح المتحقق لكل مستثمر هو دافع رئيسي وهذا يكون من خلال تقدير الطلب على سلعته وإنتاجه، ومن المحددات الأخرى الاستقرار السياسي والأمني وكذلك السياسات الحكومية التي تهدف إلى إنشاء مرافق عامة أو دعم وتنمية بعض الأنشطة لأهداف اجتماعية بغض النظر عن مبدأ الربحية. والسؤال هنا ماذا يهدف المستثمرون؟ هل حجم دعم الصمود الاقتصادية وتنمية القطاعات أم لها هدف آخر؟ والأهم من ذلك هل سيقومون بالتنمية في قطاعات إنتاجية تستغل الموارد الطبيعية الفلسطينية؟ للمستثمر الحق أن يحقق ربحاً لأن الربح يزيد من مقدرة المستثمر على الاستمرار ولكن هل هذا الربح من شعب مستهلك لا ينتج وهو على اعتبار أن الشعب هو مصدر الربح، بل أن الربح سيكون من خلال استغلال مصادر طبيعية متاحة لدينا.
فإذا كان الهدف هو ذلك كإقامة شركات تعمل على سحب النقود من الشعب كإقامة شركات اتصالات خلوية أخرى تعمل على البيع ولا تعمل على الإنتاج، فهذا لا يعزز الصمود وإنما يفككه، فالصمود في الاقتصاد يتجه نحو تعزيز الإنتاج الوطني مترافقاً بالحماية لهذا المنتج، ليس تفكيك النسيج الاجتماعي والعمل على إغناء الأغنياء وزيادة فقر الفقراء، فإذا فكرنا في زيادة الاستثمار والعمل على تنمية الوضع الفلسطيني، فإن أهداف هذا المؤتمر يجب أن تتصب على عرض وضع داخلي مُدمر فالاقتصاد يعيش أزمة تلو الأزمة نتيجة الاحتلال الاقتصادي والسياسي، بل عمدت سياسة الاحتلال لجعل السوق الفلسطيني مجرد سوق تجاري مربح له، والعمل على جعل الاقتصاد الفلسطيني تحت سيطرته وتبعيته، فإذا أردنا النجاح لهذا المؤتمر علينا إلقاء نظرة ولو سريعة على ما يحدث من مؤشرات اقتصادية، والتي تشير إلى حجم التدهور الذي يعيشه الاقتصاد الفلسطيني، حيث أن مؤشرات جهاز الإحصاء تشير على أن نسبة البطالة وصلت إلى حوالي ٢٩٪ تقريباً، وكذلك جدول غلاء المعيشة الذي يجعلنا نفكر نحن ومستثمرونا في عمل خطة تبدأ من رغيف الخبز والتي نريد منها مصلحة وطنية، هل لدى الحكومة والمستثمرين والمؤسسات خطة زيادة إنتاج القمح؟ وهل لدينا خطة لاستصلاح الأراضي وجعلها صالحة لزراعة القمح؟ لنذكر أن من أهم عناصر الإنتاج في الاقتصاد هي الأرض، فما هي خطتنا لزيادة الإنتاج الحيواني؟ إن زيادة سعر اللحوم تستدعي النظر في ذلك، أما في الاتجاه العمراني فالحكومة تدعم بناء مدن وشقق سكنية ضخمة.. هذا مشروع جيد، ولكن ألا يستدعي ذلك إعادة إنشاء مصنع اسمنت فلسطيني.
أما عن موضوع مكان انعقاد المؤتمر فهذه قضية أخرى تحتاج لوقوف مطول، لقد كان بالأحرى أن يعقد هذا المؤتمر في مدن الاستثمار والصناعة (نابلس والخليل)، فالوضع في نابلس لا يسمح لأنها محاصرة احتلالياً بل اقتصادياً، فالصابون والزيوت هما مادتان لا بد أن تحظيا بالاهتمام..
فمبدأ التخصص مبدأ اقتصادي لا بد أن يُذكر، فلا نريد مبدأ الإحلال العكسي، بل نريد إحلالا لوارداتنا بصادراتنا، أما الخليل هذا البلد المنتج للحجر والرخام الذي ينافس عالمياً ويوجد به هذا النط الأبيض، فأين هو من هذا المؤتمر؟ وكذلك الزجاج والخزف وصناعة الجلود والأحذية والتي تعد من أفضل الصناعات العالمية؟ ونأمل أن لا تكون باقي مدنِِ الضفة وغزة مستثناة.
كل هذا يستدعي منا مستمرين وحكومة العمل باتجاه مؤتمر استثماري، يقود إلى تحقيق استثمار حقيقي في الموارد المتاحة يعمل باتجاه بنية تحتية لاقتصاد مدمر، والعمل على تنمية اقتصادية وسياسية رغم قلة الموارد، فخطوة المليون ميل تبدأ بميل، من خلال الضغط على رفع المعيقات وفتح المعابر وتوفير فرص استثمارية صغيرة ومتوسطة وكبيرة، وتشجيع المستثمر الداخلي وقلة الاعتماد على الخارج.
مع أملنا الكبير بنجاح دائم لهذا المؤتمر!
بقلم: محمد طه سالم*