التي القاها د. مصطفى البرغوثي/الامين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية

أيها الأخـوة والأخــوات ،

اسمحوا لي أن أتوجه باسم المبادرة الوطنية الفلسطينية وائتلاف فلسطين المستقلة بالتحية لاجتماع مجلسكم الموقــر.

لقد مر زمن كاف على انعقاد اجتماع انابوليس، لاستقراء حقيقة ما يجري على ارض الواقع، والذي أهم معالمـه :-

·                    استمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي بوتيرة متواصلة، بما في ذلك أعمال توسيع الاستيطان في 88 مستوطنة قائمة، والإعلان عن استدعاء عطاءات جديدة لتوسع غير مسبوق في جبل أبو غنيم ومعاليه ادوميم و E1 وقلنديا، وإعلان الحكومة الإسرائيلية الفاضح عن تمسكها باستمرار التوسع الاستيطاني في ما تعتبره محيط القـدس.

·                    استمرار بناء جدار الفصل العنصري الذي يدمر فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، ويحولها إلى معازل وجيتوات وبانتوستانات في ظل نظام الفصل العنصري.

·                    تصاعد العدوان الهمجي ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي أودى منذ انابوليس بحياة ما يزيد عن مائة فلسطيني وأدى إلى جرح 316 أي بزيادة مقدارها 100% عن نسبة الإصابات قبل اجتماع انابوليس بالإضافة إلى تشديد الحصار الخانق على شعبنا في قطاع غزة والذي حوله إلى معسكر اعتقال وبطش كبير، وخلق كارثة إنسانية ليست اقل مظاهرها معاناة 750 مريضا لا يستطيعوا الوصول للعلاج ويموت الواحد منهم تلو الأخر على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.

·                    مساعي الحكومة الإسرائيلية المعلنة لانتزاع موافقة أمريكية إضافية على أن تواصل إسرائيل السيطرة الأمنية والعسكرية على الضفة الغربية حتى بعد الحل النهائي بما في ذلك السيطرة على الحدود والمعابر والأغوار والأجواء.

·                    تواصل التصريحات الأمريكية غير المتوازنة والمنحازة لإسرائيل بما في ذلك – الموافقة على اقتطاع أجزاء من الضفة الغربية لصالح إسرائيل بحجة أن ذلك يشكل جزءاً من الأمر الواقع الاستيطاني. والتخلي عن فكرة العودة لحدود 67، وإلغاء قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية كمرجعية للمفاوضات ومحاولة إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

والإصرار على أن إسرائيل هي الضحية في الصراع الجاري وتجاهل العدوان المتكرر والذي أودى بفكرة الأمن والأمان في نابلس وغير نابلس باجتياحات متكررة.بالإضافة إلى الإصرار على تجزئة المستوطنات إلى شرعية وغير شرعية أو مرخصة وغير مرخصة، واعتبار المرجع في ذلك ليس القانون الدولي وقرار محكمة لاهاي الدولية، بل ما تقرره وتشرعه حكومة الاحتلال الإسرائيلية نفسها، وبالتالي حصر المطالبة بإخلاء بضعة نقاط استيطانية في حين يستمر بقاء مستوطنات تضم عشرات الآلاف وتنسف فكرة التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية.

كل ذلك في ظل استثناء اللجنة الرباعية، والمجتمع الدولي بأسره والتفرد الكامل للولايات المتحدة بالإشراف على المفاوضات.

وبدل أن تركز العملية على إنهاء احتلال عمره أربعون عاماً وتشريد للاجئين الفلسطينيين عمره ستون عاماً، يجري الإمعان في الفكرة القائلة بان المفاوضات يجب أن تركز على طابع الدولة المنشودة وأجهزتها الأمنية ودستورها ومناهج كتبها وقوانينها وأحزابها وجمعياتها ووزاراتها، وكان لإسرائيل الحق في أن تتدخل في كل مسامة من مسامات حياتنا، دون أن يكون لنا حق مكافيء ومساوٍ أو حتى رأي تجاه دولة تمتلك مخزوناً نووياً أكبر من فرنسا وسلاح جو اكبر مما في بريطانيا، وغدت رابع اكبر مصدر للسلاح في العالم، وأكبر المصدرين للمنظومات الأمنية والصاروخية التي تواصل استخدام الأراضي المحتلة وشعب فلسطين كميدان تجارب مفتوح دون قيود لأسلحتها الفتاكة.

وحتى الأعمى والأصم أصبح قادراً أن يرى تشكل معالم نظام إسرائيل للفصل العنصري اسوأ من نظام الابارتهايد الزائل في جنوب إفريقيا.

نظام عنوانه جدار الفصل العنصري، وملامحه دخل قوي إسرائيلي يمثل 24 ضعفاً للدخل الفلسطيني مع إجبار الفلسطينيين على شراء البضائع بسعر السوق الإسرائيلي.

وحالة ينال فيها المستوطن غير الشرعي 42 ضعفاً من المياه التي ينالها الفلسطيني. ويدفع فيها الفلسطيني ضعف ما يدفعه الإسرائيلي ثمناً للكهرباء والمياه.

وفصل عنصري للطرق، وطرق مثل طريق 443 القائمة على ارض فلسطينية مصادرة ويعتقل كل فلسطيني يدخلها.

أن الأمر الوحيد الأخطر من ذلك أن يقبل فلسطينيون بهذه الترتيبات العنصرية من منطلق اليأس أو نظرية الاستسلام للأمر الواقع، أو يفقدوا الأمل بالقدرة على النضال من اجل إزالتها في لحظة يتعاظم فيها الوعي والجهد التضامني الدولي ضد الاحتلال ونظام الفصل العنصري.

وإذ رحبنا بما ورد في خطاب السيد الرئيس أبو مازن في انطلاقة حركة فتح المناضلة، بضرورة فتح صفحة جديدة للحوار الوطني والدعوة لانتخابات مبكرة كأحد عناصر حل الانقسام الوطني. وبالرفض المطلق لفكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة، والتمسك بالحقوق الوطنية، فلا يمكننا أن نتجاهل أمرين :-

1)     أن جُل مكونات ومواد خريطة الطريق التي اعتمدها انابوليس مرجعية تركز على الدولة ذات الحدود المؤقتة، وعلى فكرة  أن يوفر الفلسطينيون وهم تحت الاحتلال الأمن للذين يحتلونهم، وقد رأينا كيف استخدمت هذه المهمة المستحيلة موضوعيا كذريعة لهجوم الحكومة الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية وللتهرب من كل الاستحقاقات.

2)     أن استمرار المفاوضات  في ظل استمرار التوسع الاستيطاني، وبناء الجدار والعدوان يستغل من قبل إسرائيل كستار لهذه الممارسات.

قبل  خمسة عشر عاماً، حذر شيخ جليل غدا موضع احترام كل فلسطيني وهو الدكتور حيدر عبد الشافي، بان توقيع أي اتفاق أو وثيقة دون اشتراطه بتوقف الاستيطان سيقود إلى كارثة على الأرض، وتدمير موضوعي لإمكانية حل حقيقي، وهذا ما رأيناه بتضاعف عدد المستوطنين والمستوطنات منذ أوسلو وحتى اليوم، وما صح قبل خمسة عشر عاماً يصح اليوم أكثر.

لكل ذلك فإننا ندعو مجلسكم الموقر، إلى تبني نهج ، يشترط " بمواصلة المفاوضات " بثلاثة شروط :-

1 -    الوقف الفوري وبضمانات دولية لكل الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية بما في ذلك ما يسمونه النمو الطبيعي للمستوطنات.

2 -    الوقف الفوري لعمليات بناء جدار الفصل العنصري تمهيداً لإزالته.

3 -    رفع الحصار عن قطاع غزة، ووقف العدوان الجاري على الشعب الفلسطيني في كل مكان.

وبدون ذلك فإننا وبكل إخلاص نخشى أن يتأكل الموقف الفلسطيني ويجد الجميع أنفسهم أمام خيار وحيد....الدولة ذات الحدود المؤقتة، يخنقها الجدار من كل جانب بدون القدس وبدون إزالة المستوطنات وبدون الأغوار وهو خيار لا يعني سوى تكريس الاحتلال بإشكال جديدة، وتعزيز نظام الابارتهايد العنصري، وتحويل فكرة الدولة إلى حكم ذاتي هزيل محاصر بالسيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

أن شعبنا ليس معدوم الخيارات، وهنا نهج استراتيجي أخر، تصنع معالمه سواعد من هبوا ضد الجدار في بلعين وام سلمونة ويطا وارطاس وغيرها نهج يستند لإستراتيجية تجمع بين :-

1)                 الكفاح الشعبي الجماهيري الواسع ضد الجدار والاحتلال والاستيطان والفصل العنصري أولا.

2)                 ودعم صمود الناس وتبني التنمية المقاومة ثانياً.

3)                 واستنهاض أوسع حركة تضامن دولي وتحرك سياسي خلاق ثالثاً.

4)                 واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها إطارا جامعاً لأوسع قيادة وطنية موحدة على أساس متين من احترام القانون والشرعية والأسس الديمقراطية بما في ذلك فكرة من إجراء انتخابات ديمقراطية مبكرة في الأراضي المحتلة، وإجراء انتخابات لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في مواقع الشتات دون استثناء على قاعدة التمثيل النسبي، أن هذا هو السبيل السليم لتفعيل المجلس الذي طرأ تغير كبير على عضويته ومكوناته منذ آخر انعقاد له قبل عشرة أعوام بالتمام والكمال.

إن هناك خطورة حقيقية على الديمقراطية الفلسطينية بفعل الضغوط الإسرائيلية والخارجية، وبسبب حالة الانقسام الداخلي والممارسات الخاطئة. ومن هذا المنطلق فإننا نؤكد رفضناالمطلق للاعتقالات السياسية ونعبر عن الاستياء والقلق العميق من التعديات على حرية التعبير والتظاهر والتعددية السياسية سواء ما جرى ويجري منها في قطاع غزة أو ما شهدناه في الضفة الغربية وخاصة خلال مؤتمر انابولس وإثناء زيارة الرئيس الأمريكي بوش.

ولا بد من التأكيد على عدم جواز الخلط بين صلاحيات وهيئات منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس التشريعي الفلسطيني، وعدم جواز الترويج لفكرة حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وهي فكرة تمثل اعتداءا على المؤسسة الديمقراطية الوحيدة المنتخبة مباشرة من الشعب الفلسطيني بالاضافة الى مؤسسة الرئاسة، وستشكل هذه الخطوة خرقا للقانون الأساسي الذي يحصر صلاحية حل المجلس التشريعي المنتخب بالمجلس نفسه، ومن شأنها تعميق وتوسيع الانقسام الداخلي الفلسطيني بكل ما يحمله من مخاطر، مع التأكيد على أن هناك فرق جوهري بين الدعوة لانتخابات ديمقراطية جديدة تتم بالتوافق الوطني، وبين استخدام هذه الدعوة لحل المجلس التشريعي والمؤسسات الديمقراطية ثم التذرع بالظروف لعدم إجراء انتخابات ديمقراطية. ويمثل مجرد الترويج لفكرة حل المجلس التشريعي بدل البحث عن وسائل لتفعيله، واحترام مبدأ فصل السلطات ليس فقط تعديا على الديمقراطية، بل وإساءة إضافية لنواب الشعب الفلسطيني الأسرى في سجون الاحتلال، وهم كما تعلمون ينتمون لمختلف الفصائل الفلسطينية.

اننا اذ نرفض المشاركة في أي أمر يؤدي الى تعميق الانقسام والشرذمة في الصف الفلسطيني  لنرى ان تفعيل الجاليات الفلسطينية وأبناء شعبنا في الشتات في دعم نضال شعبنا وتطوير اقتصاده الوطني مستحيل دون إعطاء الجاليات حقها في انتخاب ممثليها بحرية وديمقراطية لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني.

إن ذلك يقتضي كذلك فتح أبواب المنظمة لكل القوى التي ترغب بالانضمام لها، ونحن نسجل هنا، كمبادرة وطنية فلسطينية، إن طلبنا للدخول كحركة سياسية وفصيل فلسطيني، للمنظمة ولكل مؤسساتها ما زال ينتظر منذ أكثر من ثلاثة أعوام ، كما إن وعد اللجنة التنفيذية ببحث هذا الطلب ما زال عالقاً، رغم الوعود الكثيرة التي قطعت. وبالنسبة لكثيرين فان هذا الأمر مؤشر لمدى الجدية في التوجه لتوسيع وتطوير وتعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية وقدرتها التمثيلية.

وفي الختام نود بالمشاركة، مع الاخوة والرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) ، إعادة طرح مشروع قرار تم عرضه على اجتماع المجلس المركزي السابق ولم يطرح للتصويت، يقضي بتكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التوجه بقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي حول جدار الفصل العنصري، إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومطالبتها اتخاذ قرار بفرض إجراءات عقابية ضد إسرائيل بسبب تجاهلها لذلك القرار وعدم تنفيذه واستمرارها في بناء جدار الفصل العنصري.

إن متابعة قرار لاهاي، يمثل نموذجاً للفصل السياسي المؤثر، باعتباره عنصراً من عناصر إدارة الصراع من اجل الحق الفلسطيني.

رام اللــــه

13/1/2008