سماح محمود الكحلة خاص ب القدس- الصراع بين فتح وحماس، والذي تحول الى ما اصبح يصطلح على تسميته «الاقتتال الداخلي الفلسطيني»، بدأ منذ فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في كانون الثاني 2006، مما خلق وضعا سياسيا جديدا حمل في طياته بذور الصراع بين الفصيلين الرئيسيين على الساحة، الى ان تصاعد بشكل مضطرد واخذ في النهاية شكل الصدام المسلح، مما ادى الى فصل الجسد الفلسطيني الى كيانين متناحرين.
الاقتتال الفلسطيني والازمة السياسية الحادة التي وقعت بين فتح وحماس، ربما يرجع سببها الى غياب الحوار بين الفصيلين، واختلاف نهج كل منهما، فحيث ان حركة فتح تمثل الحركة الوطنية الفلسطينية ذات التوجهات العلمانية الوسطية، فان حماس تمثل حركة الاسلام السياسي الرئيسية ذات التوجهات الدينية العقائدية كذلك فان الحركتين تقدمان برنامجين مختلفين، فبينما تستند فتح الى خط التسوية عبر المفاوضات، فان حماس تستند اساسا الى خط المقاومة.
ويرى الكثيرون ان الحوار هو السبيل لحل الازمة الفلسطينية الداخلية، وهنا بدأت وساطات عربية ودولية تسعى لحل الازمة الفلسطينية الداخلية، وكذلك لعب عدد من الشخصيات الفلسطينية البارزة دورا في التقريب بين الفصيلين ومحاولة الوصول الى حل يخدم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. ومن بين هذه الشخصيات: الدكتور مصطفى البرغوثي الامين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني وقد التقيت د. مصطفى البرغوثي ودار بيننا الحوار التالي:
في البداية سألت الدكتور مصطفى حول اسباب فشل حكومة الوحدة الوطنية والتي كان وزيرا للاعلام فيها، فأجاب: الحكومة لم تفشل، الحكومة افشلت داخليا هي كانت ربما افضل حكومة في تاريخ السلطة الفلسطينية، من حيث الانسجام الداخلي، والمشاركة والتمثيل الديمقراطي ومن حيث قدرات المشاركين فيها وكفاءتهم وكانت تمثل 96٪ من الناخبين الفلسطينيين ولكن للاسف الشديد هي افشلت بسبب استمرار الحصار.
واضاف البرغوثي: نحن وعدنا من دول العالم وخاصة الدول الاوروبية والدول العربية، بأن الحصار سيرفع حالما تتشكل حكومة الوحدة الوطنية وعلى اساس البرنامج الذي تم اقراره، وهو برنامج مرن ومنطقي ويجمع بين المحافظة على الحقوق الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها، وبين المرونة السياسية، ومع ذلك استمر الحصار، فقد دولتان قدمتا مسعدة مباشرة لحكومة الوحدة الوطنية وهما النرويج وقطر، وما عدا ذلك بقي الحصار مستمرا واسرائيل هي التي نجحت في ان تحرض اولا الولايات المتحدة كي تواصل حصار حكومة الوحدة، ومن ثم شلت توجه عدد كبير من الدول الاوروبية لاتخاذ قرار من خلال بعض الدول التي أثرت فيها الولايات المتحدة مثل: بولندا، وتشيكوسلوفاكيا، والتشيك، وهولندا، وبذلك عطلت قرارا اوروبيا وضغطت من خلال الولايات المتحدة على كل الاطراف، لمواصلة حصار حكومة الوحدة الوطنية، وبرأينا لولا هذا الحصار لنجحت هذه الحكومة.
وحول امكانية ان يكون هناك تعايش ديمقراطي بين فتح وحماس يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني بعد كل هذا الصراع الدامي، قال البرغوثي: نعم، يمكن ان يكون هناك تعايش بين الفصيلين، ولكن هذا يتطلب ثلاثة شروط:-
الشرط الاول: ان يكون هناك نية صادقة من الطرفين للقبول بالاخرين، وليس فقط قبول كل طرف بالاخر بل قبولهم بجميع المحيط السياسي الفلسطيني المشكلة انه تسود عقلية التفرد، والتي تعني اما ان استولي على كل شيء اوان لا يكون لي شيء، وهذه عقلية يجب تغييرها في المحيط السياسي الفلسطيني بشكل عام، واضاف: هناك تفرد كامل من فتح في الضفة ولا تريد حلفاء بل اتباعا وهناك تفرد كامل من حماس في غزة ولا تريد حلفاء بل اتباعا هذا هو الواقع، وتجاوزه يتطلب نهجا سياسيا مختلفا، ورؤية تعتمد على القبول بالاخر، ونية صادقة للحصول على ذلك.
الشرط الثاني: الطرفان ربما مطالبان بمقادير مختلفة، ولكن لن نصل الى وحدة وطنية ولا الى استعادة النظام الديمقراطي بدون ان يستطيع الطرفان ان يصمدا في وجه الضغوط الخارجية سواء كانت اقليمية او دولية، بدون ذلك لا يمكن تحقيق الوحدة الوطنية مرة اخرى.
الشرط الثالث: لا بد ان يكون هناك ايمان عميق وحقيقي بالنظام الديمقراطي، ومعنى نظام ديمقراطي «ان القوى مرجعها الشعب وهي مساءلة امامه، وفي نهاية المطاف يجب العودة للشعب لاتخاذ القرار، ولا غبار في ذلك سواء كان الرجوع الى الشعب في وقت مبكر او في موعده، انما اساس النظام الديمقراطي هو القبول بالعودة للشعب كأساس واكد الدكتور البرغوثي انه بدون الوصول الى هذه الاسس ستضيع القضية الفلسطينية.
وحمل البرغوثي الضغوط الخارجية التي مورست، المسؤولية الاكبر عن اعاقة الحوار الوطني على الساحة، كما قال: هناك اتجاهات متشددة داخل فتح، واتجاهات متشددة داخل حماس، وكلاهما لعب دوراً في التفاعل مع الضغوط الخارجية الى درجة الاصطدام الداخلي...ولكن انا ما زلت متأكداً ان الاغلبية مع الوحدة الوطنية، وآمل ان تستطيع هذه الاغلبية ان تعيد الامور الى نصابها.
اما عن الدور العربي الساعي لحل الازمة الفلسطينية الداخلية، قال البرغوثي: هناك جهود عربية، ولكن للاسف فيما يتعلق بالدور العربي، المشكلة انه غير موحد وهناك تناقض احياناً بين الاطراف العربية، فإذا تقدمت دولة ما بمبادرة الاخرون يعارضون، واذا تقدم آخرون فهذه الدولة تعارضهم وهكذا...واضاف الدكتور مصطفى: نحن لا نريد ان تصبح الساحة الفلسطينية وخاصة «ساحة الوحدة الوطنية» ميداناً لتنافسات اقليمية او فئوية، ونحن نؤمن بالمثل الذي يقول «ما حك جلدك مثل ظفرك»، ولذلك انا متأكد ان جهود الوحدة الوطنية الاساسية ستكون فلسطينية كما كانت في السابق ودون ضجيج اعلامي.
وعن مشروع سياسي بديل للمشروعين «الفتحاوي او الحمساوي»، اعتبر البرغوثي ان الفصائل الاخرى نجحت في تقديم مشروع سياسي بديل وهو مشروع المبادرة الوطنية الفلسطينية، وقال: هو ليس مجرد مشروع، نحن لدينا استراتيجية متكاملة وهذه الاستراتيجية تقوم على اربعة عناصر وهي:
-العنصر الاول: القيادة الوطنية الموحدة والوحدة الوطنية على اساس ديمقراطي.
العنصر الثاني: الكفاح الشعبي الجماهيري المقاوم على امتداد الاراضي المحتلة، وعندما يتحدث الان الجميع عن تهدئة الاعمال العسكرية، فلا بد ان يجيبوا بماذا سيكون شكل الكفاح، ونحن في المبادرة نقدم شكل الكفاح وهو «الكفاح الشعبي الجماهيري الذي لا يجب ان يتوقف».
-العنصر الثالث: حركة تضامن دولي فعالة وقوية ضد الاحتلال وضد نظام الفصل الاسرائيلي.
-العنصر الرابع: ان تكون السياسات الاقتصادية جميعها موجهة لدعم الصمود الوطني، ودعم التنمية المقاومة وليس الاعتماد على الاخرين.
وهذه هي العناصر الاربعة التي تشكل استراتيجية نقدمها للشعب الفلسطيني، ونحن نؤمن انه تدريجياً سيتجاوب الناس مع هذه الرؤية الجديدة، وتابع البرغوثي....ليس من السهل العمل في الساحة الفلسطينية، في ظل نظام الزبائنية والمحسوبية السياسية المسيطرة للاسف، والذي يشارك فيه عدد كبير ان لم اقل معظم اطراف الطيف السياسي الفلسطيي...واضاف نحن لا نقبل هذا النمط في العمل السياسي «المحسوبية والزبائنية الفلسطينية ونظام الكوتا» ونعتقد ان الاساس في العمل السياسي يجب ان يكون احترام روح المواطنة، وحق المواطن في حقوقه دون اعتماد على انتمائه لهذا الطرف السياسي او ذاك، يعني بصراحة «لا يجوز ان تقدم البعثات للطالب على اساس انتمائه لفتح او حماس او للجبهة الديمقراطية...الخ، بل يجب ان تكون على اساس المواطنة، ومن ثم يقرر الطالب انتماءه السياسي بناءً على القناعة، وما يمثل مصالحه بصورة افضل...واكد البرغوثي على ان نظام الزبائنية السياسية لا مستقبل له، وكلما ضعف هذا النظام كلما صار التنوع السياسي اقوى وافضل وخف الاستقطاب الحاد القائم حالياً.
ورداً على سؤالي «هل انت متفائل بشأن مستقبل الاداء السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية»؟ اعرب الدكتور مصطفى البرغوثي عن تفاؤله بمستقبل الاداء السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية...حيث قال: انا بطبعي متفائل، واؤمن بالقاعدة التي تقول: «ان تشاؤم العقل هو تفاؤل الارادة»، والتفاؤل مرتبط بالارادة على تحقيق التغيير، ولذلك انا متفائل بشكل خاص بالجيل الجديد النقي من شوائب الفئوية والعصبوية التنظيمية، والنقي من الفساد، والنقي من اخطاء كثيرة وجدت في الماضي، فأنا اعّول كثيراً على الجيل الجديد.