حاوره في الطائرة الأب رفعـت بدر- توجهت سفينة "الامل والكرامة" من غزة إلى قبرص، يوم الاحد الثاني من تشرين ثاني، تعبيراً عن خرق الحصار المفروض على غزة، وكان فيها العديد من الشخصيات الفلسطينية والاجنبية المتعاطفة مع الوضع الانساني المتردي في قطاع غزة. ومن بين المشاركين، الدكتور مصطفى البرغوثي، وزير الاعلام الفلسطيني السابق، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني ومؤسس المبادرة الوطنية الفلسطينية التي تهدف المصالحة الوطنية بين الأطياف السياسية الفلسطينية.
وساهم الدكتور مصطفى البرغوثي في النضال الوطني منذ بداية السبعينات من خلال قيادة الحركة الطلابية في الأراضي المحتلة والخارج. وأسس في عام 1979 مع زملائه أو حركة تطوعية مقومة في المجال الصحي هي الإغاثة الطبية الفلسطينية. ويعد من أبرز القيادات الشعبية للانتفاضة الأولى والثانية ويتميز بقيادته للمسيرات الشعبية ضد الاحتلال والجدار.
وفي الطائرة العائدة من قبرص الى عمان، وجد الأب رفعت بدر نفسه، وهو عائد من حضور مؤتمر لجنة العدل والسلام وحقوق الإنسان في مجلس كنائس الشرق الأوسط، متجاوراً مع الدكتور مصطفى البرغوثي، واذا بهما يتحاوران، وينشأ بينهما اللقاء التالي، وعندما نكون في الطائرة، كما قال الدكتور وهو نائب حالي في البرلمان، "نشعر بأن الذهن أصفى وبأننا أقرب من الله، وعلينا أن نكون صريحين". وعلى أساس الصراحة، التقينا:
دكتور مصطفى، أهلا وسهلا بكم، جمعتنا الصدفة الجميلة مع شخصكم الكريم، يعطيكم العافية على رحلتكم من غزة، هلا حدثتنا عن الرحلة ومعانيها الانسانية والسياسية:
على مدار 15 ساعة، سارت بنا السفينة من قطاع غزة الى قبرص، علامة على رغبتنا في كسر الحصار المفروض على القطاع منذ أشهر، مما عرض أبناءه للمزيد من التعقيدات في الحياة اليومية. أطلقنا على السفينة اسم "الامل والكرامة"، وكان للحضور الاعلامي المتميز اعلان بوصول الرسالة التي تريد الرحلة أن توجهها الى العالم. وكان المشاركون العرب والاجانب من 13 دولة.
هل واجهتكم مضايقات من الجانب الاسرائيلي؟
بالطبع، كان هنالك تهديد من الجانب الاسرائيلي، بايقاف السفينة في عرض البحر قبل انطلاقها. والطريف اننا كنا نود في البداية أن نستأجر سفينة لنستقلها في الرحلة، وجرت عدة محاولات، الا أنه وفي كل مرة، كانت اسرائيل تفعل فعلتها وتؤثر سلبياً على الاستئجار، الى أن قمنا بشراء السفينة من أحد المالكين، وتفاجأت اسرائيل بذلك. وحاولت بعض البوارج ايقاف السفينة واعتراضها في البحر، الا أن سفينة "الامل والكرامة" قد استمرت بسيرها في البحر الى أن وصلنا غزة، وحققنا نجاحنا في المشروع.
تسمون السفينة الامل والكرامة؟ هل من أمل ترونه في المستقبل؟ سيما وان اسرائيل واميركا مقبلتان على تغيير في القادة؟
الامل موجود وهو الذي يعين الفلسطينيين على الحياة وعلى الانتظار ليوم الحرية والدولة المستقلة. الطريق طويلة، الا أننا لن نسلم أنفسنا لليأس. هذا هو قدر المواطن والشعب الفلسطيني، والأمل هو ما يعينهم على الاستمرارية بالحياة. الامل موجود، وعلينا أن نعطي أنفسنا وقتا للتحضير ورسم الاستراتيجيات، أنا لست مع الاستعجال في اتخاذ أي قرار. مع اسرائيل نحن نتعامل مع مؤسسة وليس مع أشخاص. الى الآن لم نستطع تحقيق الدولة الفلسطينية. واسرائيل استغلت المفاوضات لتوسيع دائرة الاستيطان. البطالة بين صفوف الفلسطينيين تتزايد، ومنذ الحصار على غزة أغلقت أكثر من 400 مصنع ومنشأة صناعية، مما رفع نسبة البطالة في غزة. أمام هذه الاوضاع المتردية، ما زلنا لم نياس.
أمريكيا، في حالة فوز أوباما نأمل بحدوث التغيير في السياسة الخارجية الامريكية. رغم أن التغيير غير أكيد وليس شيء بمضمون في حقل السياسة.
وما هي أخبار المبادرة الوطنية الفلسطينية هذه الايام؟
طبعاً المبادرة تأسست عام 2002، وحاليا تمثل القوة الثالثة في فلسطين، نظراً لعدد المنضمين اليها. ومنذ البدء وضعنا أهدافا لها وهي: مقاومة جدار الفصل العنصري، وتنظيم الكفاح الشعبي، مع الدعوة الى المقاومة الشعبية الجماهيرية وبث ثقافة اللاعنف في علاج خلافاتنا الداخلية ، وكسب حركة تضامن دولية واسعة، والواسطة في الوحدة ما بين فتح وحماس ودعم المواطنين بأي طريقة انسانية.
بالاضافة الى التعاطف الداخلي، هل تلمسون تعاطفا دولياً واسعاً؟
الحمد لله، التعاطف موجود والتعاون مع أفراد ومؤسسات عالمية موجود.
كنتم في غزة قبل انطلاق السفينة. هل التقيتم بالاطياف الفلسطينية وهل هنالك أمل بالمصالحة؟
يجب أن أقولها بصراحة على موقع أبونا، لقد أردنا أن نجمع كل الاطياف الفلسطينية السياسية في غزة، لم نجد أفضل من كنيسة اللاتين في غزة، فاجتمعنا بضيافة الأب العزيز منويل مسلم الذي نكن له كل احترام وتقدير، نظراً لما يقوم به من أعمال خيرة ونبيلة لمصلحة الشعب الفلسطيني ككل في غزة. اجتمعنا اذا في دير اللاتين وكان اجتماعاً اخوياً وايجابياً.
وأذكر هنا القصة الانسانية الاليمة التي واجهت أبونا منويل، وهو أن والدته قد زارته في غزة، واحتاجت الى العلاج، لم يتمكن من معالجتها، توفيت، ونقلت في سيارة أجرة، ومنع الأب منويل من المشاركة في جنازتها. هذا يدل على مقدار المعاناة التي يواجهها الاب منويل، لكنه، وبالرغم من ظروفه الصحية، يعمل من أجل الوحدة والمصالحة في الساحة الفلسطينية.
لكني اعلم ان علاقتكم بالكنيسة بشكل عام جيدة، أليس كذلك؟
الدكتور مصطفى البرغوثي يشارك البطريرك
ميشيل صباح في مظاهرة سلمية
ضد الجدار في قرية عابود- رام الله
الكنيسة والمسيحيون هم مكون أساسي وفاعل وايجابي من مكونات الشعب الفلسطيني، تربطني علاقات صداقة قوية مع رجال الدين والمسيحيين، أنا لا أميز وأنظر الى الكل كمواطنين في مجتمعهم. حصل ضرر في الهوية المسيحية، من جراء الهجرة المستمرة التي استنزفت الشعب الفلسطيني وأثرت على الوجود المسيحي في القدس وباقي المناطق. لكني أشهد اليوم نوعاً من عملية الرجوع في صفوف الشباب الفلسطيني. مثل كزافييه أبو عيد الذي يجلس الى جواري (وشارك في مؤتمر مجلس كنائس الشرق الأوسط)، وهو شاب عاد من تشيلي ويخدم في الشأن العام الفلسطيني. وفي دير اللاتين في عابود أسسنا عيادة طبية لخدمة عابود وثماني قرى مجاورة بالتعاون ما بين الكاريتاس الفلسطيني والإغاثة الطبية.
إلى ذلك تربطني علاقة أخوية وممتازة مع البطريرك السابق ميشيل صباح، الذي أشيد بمواقفه الانسانية والروحية والوطنية. هو وطني من الطراز الأول. ونحن لن ننسى مواقفه أبداً. أفتخر بأنني شاركت معه بمظاهرة سلمية ضد الجدار في عابود. وهو شخص متميز بدعوته الى السلام، اذ يضع السلام دائما ثمرة للعدل ونتيجة حتمية له.
أرى بين يديك كتابا، ماذا تقرأ هذه الأيام؟
أقرأ كتاب وضعه طبيب فلسطيني من عرابة، الدكتور حاتم كناعنة، بعنوان A doctor in Galilee، وعلي غداً أن اشارك بحفل توقيع وتقديم الكتاب. وهو يعرض الصعوبات التي واجهته في عمله الانساني والمهني والوطني.
قال لي أحد الأشخاص، بعد موت محمود درويش: "لقد أصحبت فلسطينيا بدرجة أقل بعد وفاة محمود درويش"، وهنا يجول ببالي سؤال: ماذا عملت فلسطين لابنها محمود درويش؟ هل كرمته بما يليق؟
محمود درويش صرّح في رام الله بأنه غالباً ما يطلق اسم شارع على شخص متوفى، لكن فلسطين أطلقت على أحد الشوارع اسم محمود وهو على قيد الحياة. محمود يمثل النبض الفلسطيني والحس الفلسطيني والضمير الفلسطيني. وقد أطلق على قصر الثقافة في رام الله، اسم مركز محمود درويش للثقافة. وهذا أول الغيث من تكريمة. يكفينا فخراً أن وثيقة الاستقلال الفلسطينية قد خطها محمود درويش بقلمه واسلوبه.
بمناسبة وثيقة الاستقلال، بعد بضعة ايام تحتفل فلسطيني بالذكرى السنوية العشرين. هل ثمة احتفال خاص بالمناسبة؟
أفضل احتفال مطلوب من الفلسطينيين في هذه المناسبة، أن يتوحدوا وأن يعملوا على انهاء الانقسام الداخلي. الوحدة الوطنية الفلسطينية هي أبهج احتفال.
العديد من الاسئلة تجول في البال والحديث مع الدكتور مصطفى البرغوثي لا ينتهي الا ان صوت كابتن الطائرة قد أعلن وصول الطائرة الى مطار عمان. نعود الى الأرض، والامل أن يكون الامل الذي تحدثنا عنه في الفضاء وسارت به سفينة الامل في البحر... واقعاً يحيا به الشعب الفلسطيني على ترابه الوطني، ليتحول حلم الحرية الى خبز يومي يقتات منه المواطن الفلسطيني.