الرصاص المسكوب

ألفت علي - غزة

من شرفة تطل على أشجار البرتقال

يأتي الماضي البعيد والقريب

شرفة كنا نحتس بها قهوة الصباح

ونتبادل فيها الآراء

ونكاد نشتم رائحة الغبار

مختلطة ببعض من رائحة الأزهار

نجلس أحياناً ... نتصفح عناوين بعض الجرائد الصباحية

أو نستمع لبعض المطبات الإخبارية

نشعر أن الموت أدركنا

نكتب بعدها بأقوى الألفاظ

لنعبر عن سخطنا وغضبنا

والآن ... أي الألفاظ ستسعفنا

بعد أن ذهبت قدسية تلك الشرفة

بعد أن تفرقنا

بعدأن كسرنا

بعد أن قل تجمعنا

وتشتتنا

عن أي شرفة نتحدث

أو أي مكان

مات الإنسان بداخلنا ... أين الأشجار

مات الفنان

بعد رحلة غبنا فيها عن المكان

عودة أقرب إلى الفقدان ... إلى الهذيان ...

أكوام  من أشياء مبعثرة

في جوانب الغرف المهدمة

تسكن فيها الفئران

و العصافير قد بنت أعشاشها

و سكنت في ردم الجدران

كان هناك أشياء قيمة

لها ذكريات محزنة أو مفرحة

تركتها قبل أن أذهب مرتبة

فعبث فيها العدوان

ثياب ممزقة

و جدران مهدمة

و أكوام من حطام

سحقوا ماضي كان يحمل معه عطر الأيام

حولونا هياكل لا تنام

واقفين على الدوام

ننتظر الموت ... و الدخول إلى غرفة الإعدام

قد يأتي دوري الآن

نكتم الصرخات في صدورنا

خوفا على أطفالنا

و لكن ... صوت لهاثنا و طبول صدورنا

قد تصل إلى الجيران

رغم أصوات الرصاص ... و قذائف الطيران

كسروا فينا الإنسان

و بعد أن تفرقنا ... و بعد أن دمرت شرفتنا

و تحملنا صدمتنا

نصبوا خياما للنخاسة فوق منازلنا

تباع فيها كرامة الإنسان

أصبح الجرح أكبر

و أصبح الواقع أصعب

و فتحوا المزاد

لبيع آخر ما تبقى من أجساد

و صب الزيت على النار دمار

صبوا ما شئتم

عليك أن تصمد يا إنسان

لقد ابتلعتك الأرض حين كنت تعافر

تبحث عن حريتك عن ذاتك

فانتظر الربيع

علك تخرج من باطن الأرض ... مع أول نبتاته

في أول الطابور تقف

تفتش عن اسم لك

عن ذات و هوية

اليوم لك حياة مختلفة

فوق الأنقاض

لها قواعد و نصوص مغايرة

ابدأ من جديد

لا تترك ذاتك للانكسار يحنيها

و أبقي هامتك عالية

و تأمل الأشياء