"جدار العزل والضم الإسرائيلي من وجهة نظر الشرعية الدولية"

"

تهدف هذه الدراسة لبيان حقيقة جدار العزل والضم الذي بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي بتشيده على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ منتصف عام 2002 وإلى الآن ، والذي يأتي امتداداً لسياسات وممارسات قمعية تدميرية انتهجتها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني وممتلكاته منذ بداية احتلالها لتلك الأراضي. ولطالما تذرعت ودفعت بحجة الأمن والضرورات العسكرية لتبرير هذه السياسات والممارسات.

            لقد كان ولا يزال من السهل على حكومات دولة الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة الدفع بحجة الأمن والضرورات العسكرية ومحاربة الإرهاب في الآونة الأخيرة كلما أقدمت على تنفيذ سياساتها القمعية الهادفة لتدمير الشعب الفلسطيني، تلك السياسات التي تشكل انتهاكاً وخرقاً لقواعد القانون الدولي وكثيراً ما ارتكزت في تنفيذها على تعدد المكاييل من قبل الدول المتنفذة في توجيه السياسة الدولية وبخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية التي تسهم بشكل كبير في رسم السياسات الإسرائيلية وتوجيهها من خلال ما تقدمه لها من  دعم عسكري واقتصادي ودبلوماسي متواصل, ولعل الموقف الأمريكي من بناء الجدار أكبر دليل على ذلك.

             لقد تبين من خلال هذه الدراسة  ومن خلال تحليل فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة بتاريخ 9/7/2004 أن الجدار يمزق ويقسم الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس إلى عدة كانتونات ومعازل لا تواصل بينها شبيهة بنظام الفصل العنصري الذي كان يسود دولة جنوب أفريقيا إلى وقت قريب، إضافة إلى أنه ينتهك حقوق وحريات أبناء الشعب الفلسطيني ويدمر ويصادر الممتلكات الخاصة والعامة العائدة إليهم.

            كما تبين أن سياسة الكيل بمكيالين في مجال السياسة الدولية كان لها الأثر الأكبر في جعل دولة الاحتلال الإسرائيلي تتنكر لتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني والذي تشكل قواعده جزءاً من قواعد منظومة الأعراف الدولية، هذا بالإضافة إلى انتهاكه لقواعد القانون الدولي  العام، وتستمر دولة الاحتلال الإسرائيلي في تنكرها ورفضها تطبيق هذه القواعد وبخاصةً قواعد لاهاي الخاصة بتنظيم أعراف وقواعد الحرب و قواعد اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية السكان والممتلكات المدنية أثناء النزاعات المسلحة والتي تتناول أيضاً حمايتهم أثناء الاحتلال، والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977 . كما وتبين أن استمرار دولة الاحتلال الإسرائيلي في  بناء الجدار أدى إلى انتهاك  حقوق وحريات أبناء الشعب الفلسطيني، حيث ثبت من خلال الدراسة أنه أدى إلى الاعتداء على حق الحياة لبعض الأفراد، إضافة إلى الاعتداء على السلامة البدنية والاعتقال والتهجير القسري وتدمير ومصادرة الأملاك الخاصة والعامة كالمنازل والمحال التجارية والورش والمصانع والمراكز الصحية والمدارس وتجريف المزارع والأشجار كأشجار الزيتون والكروم وغيرها من المزروعات، إضافة إلى مصادرته الأراضي و الموارد والثروات الطبيعية. كما أنه ينتهك  حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره من خلال العديد من الانتهاكات التي أوردناها سابقاً في هذه الدراسة.

            كما وبينت الدراسة أن الجدار يشكل خرقاً للاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إضافة إلى الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الجانب الإسرائيلي والجانب الأردني، كما وينتهك كافة قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبخاصة القرار رقم (181) و القرار رقم ( 194) والقرار رقم ( 242 ) والقرار رقم ( 338) والقرار رقم (1515) وغيرها من القرارات ذات الأهمية للقضية الفلسطينية ، كما ويخرق خطة خارطة الطريق التي تعتبر آخر مشاريع التسوية المعروضة لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي .

            وقد خلصت الدراسة إلى نتائج أهمها أن دولة إسرائيل هي دولة احتلال مغتصبة للأراضي الفلسطينية وأن هناك إجماعاً دولياً على ذلك وعلى فض مبررات وحجج دولة الاحتلال المتمثلة بالأمن والضرورات العسكرية ومحاربة الإرهاب والتي ساقتها كمبرر لتنفيذ سياساتها التدميرية بحق الشعب الفلسطيني والتي يأتي بناء الجدار من ضمنها، كما وخلصت أيضاً إلى انطباق قواعد القانون الدولي الإنساني على الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي المزعوم من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية, كما وأظهرت أن الجدار الذي تقيمه دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس يشكل خرقاً وانتهاكاً لكافة ما أشرنا إليه من حقوق وحريات للشعب الفلسطيني ،  وأنه يخرق وينتهك قواعد القانون الدولي بشكل عام وقواعد القانون الدولي الإنساني بشكل خاص. كما ويخرق الاتفاقيات الثنائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتلك الموقعة بين الجانب الأردني والإسرائيلي وقرارات الشرعية الدولية وخارطة الطريق. كما وتبين أنه يقع على عاتق دولة الاحتلال الإسرائيلي واجبات تفرضها  تلك القواعد المنتهكة، وأنه يتوجب عليها الامتثال لتلك القواعد وأنها ملزمة بالكف عن الاستمرار في بناء الجدار وإزالة ما تم بناؤه من أجزاء وتعويض كافة المتضررين جراء ذلك، كما وبينت أنه يقع على عاتق أشخاص المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة التزام بجعل دولة الاحتلال الإسرائيلي  تكف عن انتهاكها لقواعد القانون الدولي وتمتنع عن تقديم أي مساعدة تسهم في استمرارية هذا الانتهاك , كما وعليها أن لا تعترف بأي أوضاع جديدة خلقها بناء الجدار على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

            وفي النهاية خلصت هذه الدراسة بعد الخاتمة التي أجملنا فيها ما تناولته الدراسة إلى توصيات منها ما وجه للجانب الفلسطيني بشكل عام وإلى سلطته الوطنية بشكل خاص إضافة إلى ما وجه منها إلى الأمتين العربية والإسلامية، كما خرجت بتوصيات وجهت إلى أشخاص المجتمع الدولي وبخاصة هيئة الأمم المتحدة وأجهزتها.  

المقدمة

            تتناول هذه الدراسة جدار العزل والضم ، الذي تقيمه دولة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام (1967) بما فيها القدس ، وذلك بعد ما يقارب الأربعة أعوام على صدور فتوى محكمة العدل الدولية القاضية بعدم شرعيته ، دون أن نلمس أو نرى ما يشير إلى أن هذه الفتوى ستأخذ طريقها للتطبيق في ظل الصلف والتعنت الذي تبديه دولة الاحتلال الإسرائيلي وتحديها لقرارات ومواثيق وقوانين الشرعية الدولية ، علما بأن جميعها لا تجيز احتلال أراضي الغير بأي شكل من الأشكال ولا حتى التغيير في طبيعة هذه الأراضي .

     لقد كان هذا التعنت والتحدي من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي لقرارات ومواثيق وقوانين الشرعية الدولية ، منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية ، حيث مارست على مر عقود الاحتلال العديد من السياسات القمعية بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته وارتكبت العديد من الجرائم ، والتي تعتبر خرقا وانتهاكا لقواعد القانون الدولي ، فقتلت واعتقلت وشردت ودمرت الممتلكات ، وألغت القوانين واستبدلتها بقوانين أخرى ( ) ، دون أي رادع من الجهات الدولية المنوط بها حماية المدنين وممتلكاتهم وقت الاحتلال، وتلك المنوط بها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

     وما تزال دولة الاحتلال الإسرائيلي سادرة في تحديها وسياساتها التدميرية بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ، تمهيدا لمرحلة الهيمنة الشاملة والسيطرة كليا على الأراضي الفلسطينية وضمها ، ومن ثم السيطرة الفعلية على باقي العالم العربي سياسيا وعسكريا واقتصاديا. فبنظرة فاحصة لمجريات الأمور وما تمارسه إسرائيل من سياسات ، يتأكد لنا بما لا يدع 

مجالا للشك ، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يندى لها جبين البشرية جمعاء( ) .

     وتأتي واقعة بناء الجدار لتضاف إلى سجل الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ، واستكمالا لسياسات السيطرة الكلية على الأراضي الفلسطينية من خلال ضمها لمساحات شاسعة من الأراضي ، وتنفيذا لسياسة الأمر الواقع التي درجت الحكومات المتعاقبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي على ممارستها .

       ما من شك في أن هذا الجدار الذي يدمر الممتلكات ويعزلها عن مالكيها قد أدى إلى تفاقم الأوضاع اللاانسانية في الأراضي الفلسطينية ، وعمق الشعور باليأس والإحباط لدى السكان الفلسطينيين . مما دعا السلطة الفلسطينية للتحرك السريع والتصدي  لقضية الجدار وإثارتها أمام هيئات الأمم المتحدة ، وساندتها في ذلك البعثات العربية وبعثات دول عدم الانحياز, فكان التحرك العربي جماعياً ضد قضية بناء الجدار، حيث قدمت المجموعة العربية في الأمم المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدين بناء دولة الاحتلال الإسرائيلي لجدار العزل والضم فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ويطالب بإيقاف البناء وإزالة ما تم بناؤه. إلا أن المُوفد الأمريكي عارض مشروع القرار مستخدماً حق النقض الفيتو (VETO) ضد المشروع وذلك في (14/10/2003م) ( ).

     لقد دفع الموقف الأمريكي المنحاز إلى جانب إسرائيل المجموعة العربية لاتخاذ قرار بالتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، في إطار ما يسمى "الاتحاد من أجل السلام"( ). فتجسدت الشرعية الدولية بصدور القرار رقم (10/13) في (21) أكتوبر (2003) الذي طالبت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة دولة الاحتلال الإسرائيلي بإيقاف بناء الجدار وإزالة ما تم بناؤه، بما في ذلك الجزء المقام في منطقة القدس الشرقية. وقد بين القرار أن ما قامت به إسرائيل يعتبر إخلالاً بخط الهدنة ، المرسم بموجب قرار الجمعية العامة رقم (181) لعام (1947)، وأنه (الجدار)  يتناقض مع مبادئ القانون الدولي، كما طالب القرار السكرتير العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير يرصد فيه امتثال دولة الاحتلال الإسرائيلي لهذا القرار خلال شهر من تاريخه( ).

      وبتاريخ الرابع والعشرين من نوفمبر عام (2003) تقدم السكرتير العام للأمم المتحدة بتقريره الذي أفاد فيه عدم امتثال دولة الاحتلال الإسرائيلي للقرار، وقد عرض في تقريره الخطورة المتمثلة في بناء الجدار على الشعب الفلسطيني من كافة النواحي، وبناءً على هذا التقرير قام المندوب الفلسطيني بطلب استئناف عقد الجلسة الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، فعقدت الجلسة وصدر عنها القرار رقم (10/14) ( ) بتاريخ الثامن من  ديسمبر لعام ( 2003)، والذي تبنت فيه التقدم بطلب استشارة من محكمة العدل الدولية طبقاً لنص المادة (96) من ميثاق الأمم المتحدة الذي دعا المحكمة المذكورة إلى إعطاء رأي استشاري على وجه السرعة حول الآثار القانونية الناجمة عن بناء الجدار الذي تقيمه دولة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك ما تبنيه داخل وفي محيط مدينة القدس وذلك على ضوء تقرير السكرتير العام للأمم المتحدة ووفقاً لقواعد ومبادئ القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949)، والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.

وقد حاز القرار على أغلبية الأصوات بواقع (90) صوتاً مقابل اعتراض كل من: الولايات المتحدة الأمريكية، واستراليا، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وبالاو، وأثيوبيا وناورو، وجزر المارشال، أي ثماني دول وامتناع (74) دولة عن التصويت من ضمنها دول الاتحاد الأوروبي.

      بتاريخ العاشر من  ديسمبر لعام ( 2003) تسلمت محكمة العدل الدولية هذا القرار(10/14) وقامت وفقاً لنص المادة (66/2) من نظامها الأساسي( )، بإبلاغ الدول الأعضاء في الجمعية العامة بتزويدها بما لديهم من معلومات تتعلق بالموضوع من خلال إرسال مذكرات ترفع إلى المحكمة في موعد أقصاه الثلاثين من يناير (2004)، وكذلك حددت موعداً لجلسة المرافعات الشفوية بتاريخ الثالث والعشرين من فبراير (2004) على أن تبلغ الدولة الراغبة في المشاركة في هذه الجلسة برغبتها هذه بإخطار تقدمه لمسجل المحكمة في موعد أقصاه الثالث عشر من فبراير (2004م)( ).

     وبالرغم من معارضة بعض الدول( ) لإحالة موضوع الجدار إلى محكمة العدل الدولية وإثارتها لبعض الإشكاليات حول موضوع اختصاص المحكمة بمثل هذا النوع من الموضوعات في محاولة لثني المحكمة عن النظر في الموضوع، وإعطاء الرأي فيه، إلاَّ أن المحكمة أقرَّت بان القضية ضمن اختصاصها، وأنه يجوز لها إبداء الرأي في قانونية بناء الجدار؛ كون نظامها الأساسي يمنحها صلاحية النظر في مثل هذا الموضوع( ).

     وانعقدت المحكمة في الموعد المقرر في الثالث والعشرين من فبراير 2004م للاستماع إلى المرافعات الشفوية، حيث استمرت ثلاثة أيام استمعت المحكمة خلالها إلى مرافعات مندوبي الدول التي أخطرت مسجل المحكمة برغبتها في المشاركة في المرافعة الشفوية، وكان من ضمن الدول المشاركة في المرافعات الشفوية كل من فلسطين والأردن والسعودية والكويت وغيرها من الدول العربية إضافة إلى الدول الصديقة مثل: جنوب أفريقيا والسنغال وكوريا الشمالية والبرازيل، حيث عبرت جميعاً عن الموقف العربي بشكل عام، إضافة إلى  منظمة المؤتمر الإسلامي. أما الأمم المتحدة فاكتفت بما قدمته من معلومات في المذكرة التحريرية.

     لقد تمثل موقف دولة الاحتلال الإسرائيلي بالرفض الذي عبرت عنه بالمذكرة المكتوبة التي تقدمت بها إلى المحكمة، والمتضمنة (135) صفحة بينت فيها أسباب بنائها للجدار، والتي تمثلت في محاربة الإرهاب و الدفاع عن النفس لحماية سكانها. لكنها لم تشارك في المرافعات الشفوية( ).

     في التاسع من تموز (2004) انعقدت محكمة العدل الدولية في الجلسة الختامية والخاصة بإصدار القرار الذي توصلت إليه بخصوص جدار العزل والضم الذي تقيمه دولة الاحتلال الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة، ولقد جاء القرار مجسداً للشرعية الدولية حيث اعتبر القرار أن الجدار الذي تبنيه دولة الاحتلال الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية المحتلة غير شرعي من وجهة نظر القانون الدولي، وأنَّ على دولة الاحتلال الإسرائيلي العديد من الالتزامات القانونية الدولية المفترض أن تقوم بها( ).

      لقد طالب القرار بإزالة ما تم بناؤه من الجدار، والامتناع عن الاستمرار في البناء، إضافة إلى ذلك تعويض الفلسطينيين الذين لحقت بهم أضرار جراء إقامة الجدار، كما أشار القرار إلى أنه: على الأمم المتحدة ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن أن ينظروا في ماهية العمل الإضافي الضروري من أجل وضع حد للوضع غير القانوني الناتج عن بناء الجدار، كما وطالب دول العالم كافة بعدم الاعتراف بالوضع الراهن الناجم عن بناء الجدار، أو القيام بأي عمل يسهم في المضي فيه.

     ولقد صدر القرار بأغلبية (14) صوتاً مقابل صوت معارض واحد وهو صوت القاضي الأمريكي.

     كما أشار القرار أيضاً إلى الانتهاكات القانونية الناتجة عن بناء الجدار والتي منها إعاقة تنقل السكان الفلسطينيين، وإعاقة حقهم في العمل، وفي الصحة والتعليم، والاعتداء على الملكية الخاصة وغيرها، من الانتهاكات التي تعتبر خرقاً صارخاً للقوانين الدولية.

وقد لاقى القرار ترحيباً فلسطينياً وعربياً ودولياً حيث اعتبر انتصاراً للشرعية الدولية، مؤكداً على عدم قانونية بناء جدار العزل والضم.

 أما بالنسبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي فقد رفضت القرار، وقالت أنه ليس لديها أي مبرر للامتثال لقرار على هذه الدرجة من السخف لا يأخذ في الاعتبار دور الجدار في مكافحة الإرهاب على حد زعمها( ).

مشكلة الدراسة:

     تتمثل مشكلة هذه الدراسة في بناء الجدار ذاته ،على الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي سيخلق واقعا جديدا على هذه الأراضي ، خلافا لما نصت عليه قواعد القانون الدولي، التي لا تجيز لدولة الاحتلال القيام بأفعال على أراضي الإقليم المحتل يمكن لها إحداث تغييرات في وضعه القانوني ، إضافة الى الذرائع والحجج الواهية التي راحت تسوقها دولة الاحتلال الإسرائيلي ،لإقدامها على بناء الجدار والتي لا أساس لها من الصحة ، كالذريعة الأمنية،والدفاع عن النفس ضد الهجمات التي تتعرض لها ومواطنيها على أيدي الفدائيين الفلسطينيين ، وأن بناء الجدار أمر مؤقت ينتهي بانتهاء السبب ، أضف الى ذلك ما يسببه من انتهاكات ومخالفات قانونية لقواعد القانون الدولي ، وكذلك ما أوردته من مبررات لعدم امتثالها لفتوى محكمة العدل الدولية القاضي بعدم مشروعية إقامة الجدار.

 

أهمية الدراسة:

    تنبع أهمية هذه الدراسة من الجدل الكبير الذي صاحب قرار دولة الاحتلال الإسرائيلي بناء جدار العزل والضم فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا الجدل الذي أخذ أبعاداً قانونية بالإضافة إلى أبعاده السياسية. أبعاداً تتناول المبادئ والقواعد والآراء القانونية المتعلقة بواحدة من أخطر الخطوات التي أقدمت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، متذرعة بحقها في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي وصفتها بالهجمات الإرهابية، مصورة للعالم بأنها الضحية، وأن إقدامها على بناء الجدار ما هو إلاَّ خطوة لحماية أمنها، وأمن مواطنيها المدنيين من تلك الهجمات، محاولة بذلك إخفاء مطامعها السياسية، وإستراتيجيتها التوسعية في المنطقة العربية، إضافة إلى تصفية القضية الفلسطينية، والتنكر للمبادئ القانونية التي تضمنتها المواثيق الدولية وبشكل خاص ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف.

 

مبررات اختيار موضوع الدراسة:

- إن موضوع جدار العزل والضم الذي تقيمه دولة الاحتلال الإسرائيلي موضوعٌ خصبٌ للبحث والدراسة خاصة وأنه لم يتم التطرق إليه بشكل متعمق ومتكامل من قبل الباحثين، وخاصة بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية بخصوصه.

- اقتصار معظم الدراسات والأبحاث التي أجريت بخصوص هذا الجدار، على دراسات وصفية وإحصائية مبينة حالة الجدار من ناحية تكويناته ومن ناحية الأضرار التي يسببها للأشخاص المتضررين.

- عدم تطرق الدراسات إلى الأسباب الحقيقية لبناء الجدار، وإن كانت قد تطرقت إلى ذلك كان بشكل بسيط.

- ضرورة التعمق في بحث هذا الموضوع من ناحية قانونية مستفيضة لتعرية حقيقة دولة الاحتلال في خرقها لكافة القوانين والمواثيق الدولية.

- إسهام الباحث  بفكرة قد يكون لها أثر في نجاح مناهضة جدار العزل والضم وإزالته.

 

أهداف الدراسة:

     إن أهداف الدراسة تتمثل في معالجة الجدار معالجة قانونية، من خلال إبراز إخلال دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتزاماتها، سواء تلك التي تفرضها القوانين والمواثيق الدولية على دولة الاحتلال تجاه الأراضي المحتلة وسكانها، أو تلك التي التزمت بها في الاتفاقيات التي أبرمتها مع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، أو المعاهدات التي أبرمتها مع الدول العربية وذلك في إطار عملية السلام الخاصة بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي متلمسين في ذلك قرار محكمة العدل الدولية، كونها الجهة القضائية الدولية المختصة والتي يُعتبر ما يصدر عنها من قرارات تعبيراً عن الإرادة الدولية.

 

منهجية الدراسة:

     لتحقيق أهداف الدراسة إتبع الباحث عدة مناهج بحثية بدءاًً بالمنهج التاريخي الذي  يعتمد على ربط موضوع الدراسة بالقضية الأساسية مستعيناً ببعض عناصرها التاريخية منذ نشوئها حتى وقتنا الحاضر, والحالة الحاضرة لموضوع الدراسة مع الاعتماد على المنهج الكلي وعلى منهج البحث التحليلي للوصول إلى الحقيقة وإثباتها من خلال ربط الحقائق ببعضها و من خلال تفنيد قرار محكمة العدل الدولية وربط عناصره بماضي وحاضر القضية الأساسية مع موضوع الدراسة للوصول إلى النتائج المتوخاة.

 

الدراسات السابقة :

    بالنسبة للدراسات السابقة بخصوص جدار العزل والضم فجميعها لم تتناول الموضوع بشكل قانوني مُعمق، وإنما جاءت جميعها على شكل أبحاث قصيرة ودراسات وصفية وإحصائية، إضافة إلى مُؤَلَفْ واحد كان عبارة عن ترجمة لقرار محكمة العدل الدولية.

وهنا أذكر بعض هذه الدراسات:

الجدار العازل ومحكمة العدل الدولية.الدكتور حسام حسن حسان (2004).

سجلات جدار الفصل العنصري, إبراهيم أبو الهيجاء, (2003).

أسباب اللامشروعية في واقعة بناء جدار العزل, الدكتور وليد المحاميد (2004).

مجموعة تقارير صادرة عن منظمات وهيئات ومراكز حقوقية دولية ومحلية, مثل منظمة العفو الدولية, ولجنة حقوق الإنسان, و مركز غزة لحقوق الإنسان, ومركز الميزان, ومؤسسة الحق, ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان, وغيرها.  

مجموعة تقارير صادرة عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني .

تقسيم الدراسة:

     حتى نتوصل إلى أهداف هذه الدراسة أقسم بحثي هذا إلى الفصول الآتية:

فصل تمهيدي: أتناول فيه ماهية الجدار، من ثم انتقل إلى الفصل الأول والذي خصصته لدراسة الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة. أما الفصل الثاني: أتناول فيه انتهاك الجدار لحقوق المدنيين وممتلكاتهم المحمية بقواعد القانون الدولي الإنسان، وفي الفصل الثالث أبحث انتهاك الجدار لقواعد قانون حقوق الإنسان ، وفي الفصل الرابع أتناول خرق الجدار للاتفاقيات الثنائية والقرارات ومشاريع التسوية الدولية، وفي الفصل الخامس أبحث المسؤولية الدولية عن جريمة بناء الجدار، ومن ثم أنهي هذه الدراسة بالخاتمة والتوصيات.

الفصل التمهيدي

 

ماهية الجدار

      

تمهيد: في صيف عام (2002) قامت حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي، باتخاذ قرار يقضي ببناء جدار يفصل بينها وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام (1967)، مبررة قرارها لدواعي أمنية تتمثل في توفير الأمن لمواطنيها من هجمات المقاومة الفلسطينية ، وراحت تنفذ قرارها ببناء الجدار وفقا لمخططات أعدت مسبقا مبينة بأن البناء سيتم بمحاذات الخط الأخضر لكن دون تحديد مساره بشكل واضح, أو على أية جهة من الخط الأخضر سيقام ذلك الجدار ، وفيما بعد اتضح أن الجدار يقام داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام (1967)بما فيها القدس ، هذه الأراضي التي اعتبرها مجلس الأمن حسب قراره رقم (242) ( ) أراض محتله لا يجوز إجراء أي تغيير في طبيعتها من شأنه أن يغير في وضعها القانوني.

واستمرت في عملية البناء غير آبهة بمعارضة معظم أشخاص المجتمع الدولي لما تقوم به ، حتى أصبحت واقعة بناء الجدار من الوقائع التي اعتبرها البعض أخطر من الاحتلال ذاته على الشعب الفلسطيني وقضيته ، لذلك كان لابد من التعريج والتعرف على هذا الجدار وما هي حقيقته ؟

هذا ما سنعرفه بشكل مفصل من خلال هذه المباحث:

المبحث الأول : نبحث فيه تطور فكرة الجدار وتعريفه وطبيعته ومساره .

المبحث الثاني: نستوضح الأهداف الحقيقية من بناء الجدار.

المبحث الثالث : ندرس بناء الجدار  وعلاقته بجغرافية الضفة الغربية والاستيطان.

 

يتبع تكملة للدراسة