استشاري – فؤاد ابو حجلة

 

 

ما زلت مريضا، وقد نصحني صديق بألا أصدق ما يقوله الأطباء في المستشفيات الخاصة، لأنهم، بحسب صديقي، تجار مرض ولا يفكرون بغير الفواتير.

سمعت نصيحة صديقي وذهبت الى مستشفى حكومي. وقفت قرابة نصف ساعة في دور طويل لكي أتمكن من تسجيل اسمي، ثم وقفت في قاعة الانتظار تقريبا بين عشرات المرضى الجالسين والواقفين والذين يعطسون بلا توقف، ويسعلون بلا انقطاع، ومنهم من يتأوه من الألم بلحن جنائزي.

بعد ساعة في هذا الحصار جاءت ممرضة تشبه السجانة وصاحت مرددة اسمي فعرفت أن دوري قد جاء للدخول الى غرفة الطبيب. ولا راد لقضاء الله.

ألقيت التحية على الدكتور فلم يرد، وطلب مني، بلهجة آمرة، أن أقعد. فقعدت.

لم يفحصني الطبيب بل سألني مم أشكو، فشرحت له ما يصيبني من آلام المعدة التي اعتقد أن سببها دواء أعطاني اياه طبيب الأسنان... فجأة تورم وجه الدكتور من الغضب، وخاطبني بانفعال هازىء: هل أنت دكتور؟ قلت: لا. فما كان منه الا أن وقف ونظر الى شزرا وقال: تعال. قعد محلي. وافحص المرضى الآخرين.. تعال "وريني شطارتك".

اعتذرت، وطلبت من الدكتور أن يغفر لي تطاولي على الذات الطبية، وأوضحت له أن ما قلته هو مجرد هذيان بفعل المرض. وبعد أن هدأ غضبه أمر بتحويلي الي اخصائي الجهاز الهضمي في المستشفى.

ذهبت أولا الى المحاسبة، و"قطعت وصل"، ثم وقفت في غرفة الانتظار في عيادة الأمراض الباطنية، وهناك كنت محاطا بعشرات الحالات من الألم الظاهري الذي يمزق أحشاء الواقفين والجالسين على حد سواء.

بعد ساعة تقريبا، جاء دوري، فنادتني سجانة أخرى تلبس رداء أبيض، ودخلت غرفة رمادية ووقفت أمام طبيب كان في وضع "دلقمة" وهو منكب على كتابة تقرير طبي، ولم أشأ أن أتحدث قبل أن يرفع رأسه عن الورقة، فبقيت صامتا.

ظل الطبيب "مدلقما" وهو يتأهب للانقضاض علي: جاي تتفرج علي حضرتك؟ ما تحكي يا رجل شو بدك؟ ايش بيوجعك؟

قلت له انني أعاني من آلام في البطن. فقاطعني: يا أخي أعرف أن لديك آلاما في البطن، فلو كانت في الرأس أو في الكتف أو الرجل لما جئت الي هنا. ولكن قل لي: هل هي آلام معدة أم اثني عشر أم قولون؟ هل تعتقد أنها آلام قرحة أم أنها آلام التهاب حاد في رأس المعدة؟

فاجأني السؤال، فصمت برهة ثم قلت: لا أعرف. رد علي بنزق: طبعا لا تعرف. مهو أنا اللي لازم يعرف كل شيء. أنا اللي لازم يعرف شو بيوجعكم وكيف تطيبوا وشو تاكلوا ووين تشتغلوا ووين تروحوا بعد الشغل... روح صور لي بطنك. يالله على الأشعة.

ذهبت الى قسم الأشعة في سرداب المستشفى" و"قطعت وصل" ثم وقفت في قاعة الانتظار، وكنت محاطا بعدد لا يحصى من الرجال والنساء والعكازات.

بعد حوالي ساعة جاء دوري، وتم تصويري، ولم أكن مبتسما. ثم أبلغتني فنية الأشعة التي لا تشبه سجانة، بل عارضة أزياء رديئة بأن الصورة ستكون جاهزة بعد ثلاثة أيام. وقالت لي وهي تلوك العلكة: ارجع بعد "تلتيام" أوكي عمو؟

عندئذ قررت التوقف عن الاستمرار في هذه المهزلة، وسألت عن مكتب مدير المستشفى، وذهبت.

في مكتب المدير سألتني السكرتيرة عن سبب رغبتي في مقابلة عطوفته. فقلت لها ان لدي سؤالا.

طلبت مني أن أعطيها السؤال، وهي ستقدمه الى صاحب العطوفة ثم تبلغني بجوابه، وهذا يتطلب أسبوعا على الأقل لأن عطوفته مشغول.

لكن السكرتيرة غيرت موقفها عندما علمت بأنني مدير تحرير صحيفة يومية، وهرعت الى غرفة المدير لتعود وقد تغيرت تقاطيع وجهها، وهي ترحب بدخولي لمقابلة عطوفته.

على مكتب عطوفته لوحة تحمل اسمه وتؤكد أنه عضو البورد الانجليزي وأنه استشاري في أمراض القلب والشرايين.

وقفت أمام عطوفته، وسألت: بما أن عطوفتك استشاري فأنا أريد أن أستشيرك: هل تنصح بموتي عندكم أم علاجي في مستشفى آخر؟