انتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية والمقاومة الشعبية واستعادة الوحدة هي البديل الحقيقي للوضع القائم

ما هو تقييمك للوضع الحالي بعدم وجود افق حيث فشلت الولايات المتحدة في الضغط على اسرائيل لتجميد الاستيطان ؟

ما يثبت الان ما قلناه من قبل وهو اننا لسنا في مرحلة حل ،وهذا التناقض بيننا وبين اسرائيل ليس في مرحلة حل ،بل ما زال في مرحلة النضال والصراع، وما زلنا بحاجة الى بناء ميزان قوى وبناء عناصر على الصعيد الدولي و المحلي و العربي ،تساعد على وجود حل عادل للقضية الفلسطينية ،او حل يضمن الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية ، وكل نظرية المفاوضات الجارية حاليا مبنية على اقتناع باننا في مرحلة حل ، ولكن اتضح ان هذا خطأ فنحن لا نزال في مرحلة نضال وكفاح وصراع ، وبغض النظر عن اداء السلطة واداء المفاوضين والحركة والوطنية ستبقى المشكلة بشكلها الحالي وذلك لان سببها ليس فلسطينيا ، مع وجود العديد من النواقص فينا ولكن المشكلة تكمن في الحركة الصهيونية الاسرائيلية التي لا تعتبر ولا تقبل ولا تريد ان تنجز حلا مبنيا حتى على اساس دولتين، ومازالت هذه الحركة تستغل  اتفاقية اوسلو واتفاقيات اخرى مع العرب وتتجه اتجاه اكثر تطرفا ، وتعتبر نفسها في مرحلة استكمال المشروع الصهيوني ، واستكمال عملية الضم والتهويد لما تبقى من ارض فلسطين .

 من يقرا شيئا اخر في سلوك الحركة الصهيونية يختلف عن ذلك هو مخطئ ، والدليل ان ما يجري الان في القدس هو تماما كالذي جرى في يافا ، وما يجري ببيت لحم هو نفس ما جرى في الناصرة ، حيث يعملون على الاستيلاء على جميع الاراضي المحيطة فيها ويحاصرونها ،وما يجري الان في القرى والمدن الفلسطينية هو نفس الشيء ولكن على مراحل ، والفرق بين عام 1948 والان انه خلال وجود الحرب والنكبة في ذلك العام "كان العالم في غفلة عما يجري "حيث تم تهجير 70% من الشعب الفلسطيني خلال اسابيع، وبالتالي استطاعت الحركة الصهيونية ان تنفذ عملية التهويد بسرعة كبيرة، بينما هنا اضطروا الى القيام  بعملية عمرها 40 سنة وان التخطيط بعيد المدى يوضح انهم يخططون ل 30 سنة اخرى،و مع ذلك انا واثق انهم لن يستطيعوا ان يرحلوننا والفضل  في هذا الفرق يعود بذلك الى اجدادنا وابائنا وامهاتنا الذين صمدوا بفطرتهم ولم يرحلوا وهذا ما خلق المشكلة الديموغرافية .

 لكن جوهر الامر اننا لسنا في مرحلة حل ، حتى نحصل على حل فيه الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية يجب ان يكون ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني ، وتوازن القوى الان مختل لغير صالح الشعب الفلسطيني، لذلك السؤال لا يجب ان يكون : كيف نكون امهر في التفاوض؟ ولا كيف نكسب ود هذا الطرف او ذلك ؟ ، بل يجب ان يكون كيف نبني ميزان قوى لصالحنا ؟ ، حتى الذين يؤمنون بالمفاوضات وهم اشخاص لديهم ذكاء ويعرفون ما يجري وان هناك مشكلة ، لكنهم ظنوا ان الحل او المخرج من فشل وازمة اوسلو هو وضع امالهم على امكانية كسب الولايات المتحدة لصالح الفلسطينيين كي تضغط على اسرائيل ،وذلك كبديل عن الاختلال في ميزان القوى ، والذي ثبت في هذا الاسبوع ان ذلك وهم كبير ، فما قامت به الولايات المتحدة هو محاباة لاسرائيل،واعلان الولايات المتحدة الاميركية عن وقف جهودها لتجميد الاستيطان كان بمثابة اعلان فشل المراهنة على الدور الاميركي كوسيط محايد ،وكما كان بمثابة نعي لعملية السلام الحالية ،واعلان الوصول الى نهاية  النفق المسدود لاتفاق وعملية اوسلو .

حتى كيرتزر الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في اسرائيل وهو يهودي الاصل ينتقد الادارة الامريكية ،ويقول: ان ما تقوم به واشنطن عبر تقديم اغراءات لاسرائيل مخالف للعقل ، ولو نظرنا للصحف الامريكية سنجدها مليئة بالانتقادات للصفقة التي اعطيت لاسرائيل ، والصفقة هي 133 مليون دولار في اليوم تعطى لاسرائيل وذلك مقابل تجميدها للاستيطان بشكل جزئي ولا يشمل القدس ولا المباني الحكومية ،ولا يشمل ما وضعت اساساته من بنايات ،ولا يشمل ما يقرر كل رئيس مستوطنة انه ضروري وحيوي للمستوطنة ، هذا ليس تجميدا انه كذب وخداع ، وهذا المبلغ على مدى 90 يوم أي ما يعدل 3 الاف مليون دولار، والعروض التي قدمت لاسرائيل تشمل تعهدا بان لا يطالبوا بتجميد الاستيطان مرة اخرى ، و تشمل تعهدا بوقوف الولايات المتحدة الى جانب اسرائيل في كافة المحافل الدولية لمنع الاعتراف بدولة فلسطينية ، أي انهم يريدون ان يجردوننا من اخر سلاح وهو امكانية اعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد مقابل تجميد جزئي وكاذب للاستيطان ،وكل ما كان  نتنياهو بحاجة لفعله هو ان ينتظر 90 يوما اخرى ومن ثم يعود للنشاط الاستيطاني بكثافة شديدة جدا في كل الاراضي المحتلة ويستمر بمخططه  ،ومع ذلك فان كل هذا العرض السخي لم يكن كافيا لنتنياهو وحكومته فقرروا ان يرفضوه لانهم لا يريدون أي تلميح الى ان القدس جزء من الاراضي المحتلة.

 هذه ليست مفاوضات ، اسرائيل تتفاوض مع نفسها وتريد شيئا واحدا من كل الاطراف وهو الوقت ، مزيد من المماطلة وكسب الوقت وذلك لاستكمال المخطط الاسرائيلي على الارض، وهو مخطط ليس لحل القضية الفلسطينية بل من اجل تصفيتها، ولديهم قائمة مرتبة لما يريدون تصفيته ، وعلى راس هذه القائمة تصفية قضية اللاجئين ، وفي نفس الوقت قضية القدس ، ثم يريدون تصفية حدود الدولة الفلسطينية .

 لذلك حتى لو جمد نتنياهو الاستيطان فان هذا لن يعني الشيء الكثير، لان المشكلة تكمن في عدم وجود مرجعية لعملية التفاوض ، وفي نهاية المطاف كل ما تريده اسرائيل هو كانتونات و معازل لما لا يزيد عن 40% من مساحة الضفة الغربية ،وسميها كما تريد سواء دولة ام امبراطورية ام شيئا اخر ، فهي ليست سوى حكم ذاتي هزيل على كانتونات ومعازل ، وهذا هو جوهر المشكلة ، والسؤال الجوهري هنا ما هو البديل لهذا العمل ؟

كان هناك وعد من اوباما للرئيس محمود عباس عندما تم الانتقال من المفاوضات غير المباشرة الى المفاوضات المباشرة بالدخول فورا في مفاوضات حول الحدود وحسم هذه القضية ما رايك بهذا ؟

انا هنا اسأل سؤالا بسيطا ، كيف ستحسم قضية الحدود بدون القدس ؟ ، واذا حسمت  بدون القدس الا يعني ذلك اننا تخلينا عن القدس؟ ، هل يوجد بين قادة اسرائيل جميعا من نتنياهو لباراك مرورا بليفني من هو مستعد لان يقبل باعادة تقسيم القدس، وان تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين طبعا لا ، معالجة الحدود بمعزل عن القدس مجرد لعبة ، لماذا نتنازل عن حقنا في السيادة نحن من بين كل دول العالم ؟! .

لقد وافق ابو مازن على وجود قوات مهما تكون جنسيتها في منطقة الغور او بدل الجيش الاسرائيلي ما رايك ؟

انا لا اعرف ما تم الاتفاق عليه ولا استطيع ان احكم على اشياء لست متاكدا منها، ولكن ما استطيع ان اقوله انه من حقنا ان يكون لدينا دولة حقيقية ، ومن حقنا ان يكون لدينا دولة ذات سيادة نسيطر فيها على معابرها وحدودها واجوائها ، والا لا تكون دولة،وما سمعته من الرئيس محمود عباس هو استعداد لوجود دولي مؤقت،ولكن ليس وجودا اسرائيليا حتى ولو لجندي اسرائيلي واحد .

كما قلت الافق مغلق ، بالاضافة الى فشل اوسلو ، فما هو برايك البديل ؟

اولا يجب ان نعطي شعبنا شعورا بالامل والثقة ، فاخطر ما قد يحدث ان يتعمق شعور الاحباط والياس، وانا اعتقد ان جزءا مهما من السياسة الاسرائيلية يرمي الى  بث شعور الياس من النضال وتغيير الوضع في نفس شعبنا حتى يستسلم للامر الواقع ، واحد اهم استراتيجياتهم ان يزرعوا في نفس كل فلسطيني شعورا بالذاتية والانانية والفردية ، وتتمثل خطة اسرائيل طوال العشر سنوات الماضية بقتل الجامع العام لنا وهو قضيتنا الوطنية ، وانا ارى انهم سيفشلون في ذلك رغم المظاهر السلبية التي نراها وذلك نتيجة لسلوك اسرائيل ونظام الابارتهايد والفصل العنصري الذي انشاته .

هناك اعادة تكون للوعي الوطني الفلسطيني الجامع للفلسطينيين في اراضي عام 1948 واراضي الضفة الغربية وغزة والقدس والخارج والشتات ،اعادة انبثاق للوعي الفلسطيني ، والحياة ستقرر الاشكال التي سيأخذها هذا الوعي ولكن الى جانب محاولات زرع الاحباط والياس والفشل اللاحق لعملية التفاوض ، هناك عملية اخرى ايجابية وبناءة وهي التصاق الشباب بالقضية الفلسطينية حتى ولو انهم لم يروا فلسطين او لم يعيشوا فيها من قبل .

 

 اذا هناك شيء جديد وهو اعادة نشوء الوعي الوطني الفلسطيني واعادة التصاق بالقضية الوطنية الفلسطينية وهو ما اؤمن به حاليا لذلك نحن نريد ان يشعر الشعب بالامل والثقة والتفاؤل بالمستقبل .

والبديل برأيي له جانبان ، هناك بديل تكتيكي فوري لفشل المفاوضات ، وهناك بديل استراتيجي ، اما عن البديل التكتيكي للفشل التفاوضي الحالي وهذا ما ادعوا الى ان تتبناه منظمة التحرير وكل القوى الفلسطينية وهو ان يتم فورا الاعلان عن الدولة الفلسطينية و اعلان حدودها التي تتمثل بجميع الاراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس كعاصمة لها وبما فيها غزة بالطبع ايضا ، وان نتوجه للعالم فورا للاعتراف بحدود الدولة وعاصمتها.

 وهناك الان جهد كبير يتشارك فيه الرئيس والمؤسسات الشعبية والرسمية والقوى السياسية لانتزاع هذا الاعتراف ،ونحن نامل ان يعتمد ذلك كخط رسمي معلن لمنظمة التحرير الفلسطينية.

والهدف من ذلك سياسيا هو خلق مرجعية للعملية السياسية بعد ان ضاعت هذه المرجعية ،وتتمثل بانتزاع اعتراف عالمي بالدولة الفلسطينية وحدودها ، وعندما يحدث هذا الاعتراف العالمي والواسع وعندما نبني تراكما كافيا نذهب للجمعية العمومية للامم المتحدة ولا اقول الى مجلس الامن لان مجلس الامن فيه الفيتو الامريكي ، فاذا حصلنا على الاعتراف من الجمعية العمومية نكون قد خلقنا واقعا دبلوماسيا جديدا سيشكل ارضية لنقل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على اسرائيل من المستوى الشعبي الى المستوى الرسمي والحكومي ، ونحن نسمي هذا الاسلوب بالدبلوماسية المقاومة او المقاومة السياسية ،  ولا يجب علينا انتظار امريكا حتى تعترف بدولتنا اولا لان هذا خيال ، امريكا لا تستطيع الان ان تعترف بالدولة بسبب وجود عناصر داخلية تمنعها من القيام بذلك ،فهي لن تكون في موضوع الاعتراف بالدولة وحدودها وعاصمتها في الموضوع الفلسطيني الا الاخيرة ، هذا الاقتراح اذا تمت الموافقة عليه من قبل كل القوى والفصائل الوطنية فانه سيعمل على توحيد الموقف الفلسطيني ولن يستطيع أي احد ان يقول للرئيس ابو مازن انت لا تمثل كل الفلسطينيين ، هذا تكتيكيا.

هل تم طرح هذه الفكرة على الرئيس ؟

لقد طرحناها بوسائل مختلفة وباقتراحات مكتوبة وهناك نقاشات مع الاخوة في حركة فتح ووصلتهم منا هذه الافكار ، وايضا في حركة حماس ، ونامل ان ينظر لها بايجابية ،حتى الان نحن ننتظر والحوار بيننا مازال قائما، وحماس تدرس الفكرة ايضا ، ولو كان هناك مجال لتطويرهذه الفكرة وتحسينها سيكون هذا الامر في مصلحتنا .

والمهم ان نجد شيئا يخلق قاسما مشتركا بيننا تمارس من خلاله المقاومة السياسية التي ارى فيها مكملا للمقاومة الشعبية الفلسطينية التي تجري في الشارع الفلسطيني وعلى الارض، وهي شكل من اشكال المقاومة المقبولة عالميا ،بعد ان  اصبحت المفاوضات مبررا لاعطاء اسرائيل امتيازات استراتيجية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة .

اما على الصعيد الاستراتيجي فنحن نؤمن بان البديل الذي سيحقق تغييرا في ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني يجب ان يتكون من اربعة عناصر ، العنصر الاول: هو المقاومة الشعبية وانا لا اعتبر ان المقاومة الشعبية الان وصلت ذروتها بل هي مازالت في البدايات ، والمقاومة الشعبية ليست فقط التظاهرات ، على الرغم من اهمية التظاهرات ولا اعني فقط الصمود الرائع لاهل سلوان والشيخ جراح والخليل وثباتهم ، انا اعني انتشار المقاومة الشعبية بحيث تصبح جامعة لكل الفلسطينيين ولا تقتصر على بؤر معينة فقط ، فاينما حصلت مشكلة سواء في مدينة او قرية او حي تصبح مشكلة جميع الفلسطينيين وليست مشكلة تلك المنطقة فقط ،عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

 وتعتبر مقاطعة البضائع الاسرائيلية احد اشكال المقاومة الفلسطينية وانا اتحدث ليس فقط عن مقاومة بضائع المستوطنات بل ايضا كل البضائع الاسرائيلية التي يمكن ان نجد لها بديلا ،ونحن نتحدث عن حجم يصل الى 3 مليارات دولار من البضائع حيث تشكل الاراضي المحتلة ثاني اكبر سوق لاسرائيل بعد الاتحاد الاوروبي .

وقد وجد الباحثون الاقتصاديون انه كلما خفضنا استهلاكنا من البضائع الاسرائيلية بنسبة 5% فاننا نخلق مئة الف فرصة عمل جديدة للشباب والشابات من الخريجين الجدد والعاطلين عن العمل.

 وهذه مسؤولية كل شاب وشيخ وامراة وطفل ، نحن ثاني اكبر سوق في العالم  لاسرائيل بعد اوروبا ،يجب مقاطعة كل المنتجات الاسرائيلية التي يمكن استبدالها بمنتوجات فلسطينية وهذا يعد شكلا من اشكال المقاومة الشعبية .

المحور الثاني للبديل الاستراتيجي: هو الوحدة الوطنية و استكمال  تنفيذ اتفاق القاهرة ووضعه موضع التطبيق ، وانشاء حكومة وحدة وطنية فلسطينية ، الجميع يطالبنا بالتوحد اولا قبل المطالبة باي شيء اخر ، هذا الانقسام يجب ان ينتهي وتتم استعادة الوحدة الوطنية لانها العنصر الاساس .

المسالة الثالثة: تتمثل بدعم صمود المواطنين بشكل قوي وفعال ، وهذا يعني اعادة ترتيب الاولويات الاقتصادية الفلسطينية،أي يجب ايلاء اهتمام كبير بالمناطق المهددة ومناطق الجدار والمدن المهددة مثل الخليل والقدس والاحياء المهددة ، والقطاعات المهملة مثل الزراعة ، وخلق قدرة انتاجية ذاتية لتقليص هذا الاعتماد الهائل على المساعدات الخارجية ، وهذا الامعان في اشكال الانفاق الاستهلاكية التي تجعل الشعب الفلسطيني اسيرا للمساعدات الخارجية و تخلق واقعا خطيرا ، ويجب ان تستبدل بسياسة اقتصادية قائمة على دعم الصمود الوطني والتنمية المقاومة .

واخر عنصر :وهو مهم جدا ولن ننجح بدونه وهو ان نستنهض ونتشارك في اكمال استنهاض ما يجري حاليا وهي حملة المقاطعة وفرض العقوبات على اسرائيل ، وهي حملة دولية تتسع يوميا ، ولو كان الامر متروكا لقرار الشعوب لحسم الامر ،وانا متاكد من تعاطف اغلبية الشعوب في العالم ،لكن الشعوب للاسف مازالت بعيدة عن فرض كل شيئ على حكوماتها ، وهذا امر يحدث تدريجيا كما حدث في جنوب افريقيا ، يجب ان نعمل على اسناد المقاطعة وفرض العقوبات على اسرائيل وسحب الاستثمارات منها.

اذا تضافرت هذه العناصر الاربعة ، ستشكل خيارا وبديلا استراتيجيا واقعيا ملموسا قابلا للتطبيق والتحقيق ،ولكن ذلك يتطلب ارادة سياسية فلسطينية حازمة وحاسمة في خياراتها .

الان تصطدم هذه الارادة السياسية بواقع السلطة التي تعتمد على المنح والمساعدات، و35% من الضرائب التي تجنيها اسرائيل نيابة عن السلطة ؟

لذلك سقطت حكومة الوحدة الوطنية ، لدينا تجربة عندما شكلنا حكومة الوحدة الوطنية بعد الجهود التي بذلت من اجل انجاح المصالحة ، لقد قمنا بدور كبير في هذا المجال وتشكلت حكومة وحدة وطنية كانت تمثل 96% من الناخبين الفلسطينيين ، لماذا انهارت تلك الحكومة ؟ ، ليس فقط بسبب خلافاتنا بل السبب الاهم من ذلك هو الحصار الذي فرض علينا ، الحصار الخارجي الدولي بقرار  اسرائيلي وبدعم من الولايات المتحدة ومن اطراف دولية عديدة اخرى ، ولو لم يجر ذلك الحصار لما انهارت حكومة الوحدة الوطنية ، ولما انهارت اهم تجربة حققناها وهي التجربة الديمقراطية الداخلية الفلسطينية ، لذلك عندما نتحدث عن استعادة الوحدة الوطنية على اساس ديمقراطي وعلى اساس احترام حق الشعب في الاختيار وليس لمرة واحد بل بشكل دائم ودوري ومستمر ، لذلك انا اعتقد ان الحصار الخارجي لعب دور ، والاعتمادية تشكل عوامل خطر ، ولكن هل يستطيع العالم - اذا اخذنا قرارنا مرة اخرى بالوحدة- ان يحاصرنا؟ لا اعتقد ذلك ، بل على العكس ان جزءا من المساعدات التي تاتي تستهدف دعم الشعب الفلسطيني ولكن جزءا كبيرا من هذه المساعدات ياتي من اجل تخدير الشعب الفلسطيني ، وجزء كبير من هذه المساعدات ياتي لدفع نفقات الاحتلال ، وبالتالي الخط رفيع بين ان تكون المساعدات لاسناد الشعب الفلسطيني والمساعدات لبناء دولة حقيقة ، وبين ان يكون هدف المساعدات تخدير الشعب الفلسطيني اوالتكيف مع حلول سيئة ووضع سيء .

 من هنا انا اعتقد خاصة الان مع التدهور الهائل لسمعة اسرائيل في كل العالم وبعد احداث حرب وحصار غزة واحداث اسطول الحرية الذي نجح فعليا في كسر الحصار عن غزة ، اليوم ليس من السهولة بمكان ان تتكرر العملية التي جرت في السابق اذا كنا موحدين كفلسطينيين لمواجهتها ، وهذا هو المعيار الاساس ، وطبعا انا لا انفي وجود فئات لها مصالح في استمرار الوضع الحالي ، وتستفيد من استمرار حالة الانقسام ، وهي الفئات البيروقراطية والكمبرادورية ،لا شك بوجود هذا العامل ولكن غالبية الشعب الفلسطيني ليست من هذا النوع .

لقد كان لك دور وعدة محاولات في عملية الحوار بين فتح وحماس واجتمعت بهم بصفتك عضو مجلس تشريعي ، فبنظرك اين يكمن الخلل ، وهل من السهل استعادة الوحدة مع التلويح الاسرائيلي باخراج اجهزة الامن من الشرعية اذا دخلت فيها حماس وستكون هدف لاسرائيل ، والتهديد بقطع المساعدات ، هل هناك امل في ضوء هذه المعطيات ، ومن الذي يقف في وجه المصالحة على خلفية لقاءاتك مع الطرفين ؟

لا استطيع ان اضع نفسي حكما لاعطي احكاما ، ولا اعتقد ان هذا صحيح ، من ناحية ثانية دعني اوضح امرا مهما قبل الخوض في التفاصيل فيما يتعلق بالموضوع الامني فاعتقد ان مجرد التعامل مع المقولة الامنية التي تقول ان الشعب الذي تحت الاحتلال مسؤول عن تقديم الامن للذي يحتله دون ان يكون قادرا على توفير الحماية لنفسه من هؤلاء المحتلين هي من اكبر اخطاء اوسلو ، هذا اغرب شيء ممكن ان يحصل، وهي سابقة في تاريخ البشرية كلها ، ولم يحدث مع أي احتلال سابق في التاريخ ، وهي تكرس عقيدة امنية خاطئة، فنحن لسنا مسؤولين عن توفير الامن للذين يحتلوننا ، الذي يوفر الامن هو زوال الاحتلال وهو سلام حقيقي وعادل ، لذلك هذه النظرية اساسا خاطئة والوقوع فيها يعد خطأ كبير.

من ناحية اخرى فان الاجهزة الامنية يجب ان تكون مستقلة عن التوجهات السياسية والحزبية على الاقل على مستوى قياداتها العليا ،ويجب ان تخضع  للهيئات الشرعية المنتخبة من الشعب الفلسطيني،والانتخابات الديمقراطية يجب ان تجرى بشكل دوري وليس لمرة واحدة.

الذي يمنع الوحدة حتى الان ليس قلة الافكار او الحلول التي تساعد على تحقيق الوحدة ، فهي عولجت وقدمت بعشرات الاشكال والوسائل المختلفة ، الذي ينقصنا امرين ، اولهما: ارادة حقيقية من الطرفين لتحقيق الوحدة ، و وثانيا:استعداد متواز مع هذه الارادة للصمود ضد أي ضغوط خارجية ضد الوحدة ، وهذا يستدعي امرين ، الاول ان تقرر الاطراف المحددة ان مصلحتهما ومصلحة الشعب الفلسطيني اهم من أي علاقات او مصالح اخرى ، وثانيا ان تحسما في عقليهما عدم امكانية نجاح حكم الحزب الواحد في فلسطين ، ولابد من تعددية سياسية ، ولابد من قبول مبدأ الديمقراطية في قبول الاخرين ، والتبادل السلمي للسلطة ، واخيرا وهي النقطة الاهم ، يؤسفني ان اقول ان مشكلتنا في الانقسام الداخلي بسبب وقوع جميع الاطراف في فخ الصراع على سلطة لا وجود لها لانها مازالت سلطة تحت الاحتلال ، اصبح لدينا نوع من الجشع لممارسة السلطة على بعضنا البعض بسبب وقوعنا تحت الاحتلال والحكم الاجنبي لفترة طويلة من الزمن ، دون ان ندرك ان السلطة الحقيقية هي السيادة وان يكون لديك القدرة على تمثيل شعبك وحمايته من خلال ممارسة ما تسميه الدول السيادة على الارض والإمكانيات قبل ان تكون السلطة مجرد حكمنا لبعضنا البعض ، بالتالي نحن ليس لدينا عناصر سلطة حقيقية ولكن لدينا بعض عناصر السلطة التي اصبح لدى البعض نوع من الولع بها ، وذلك ادى الى نشوء وهم وخداع ، وبالتالي الخلاص من الوهم هو اول الشروط للوصول الى الوحدة الحقيقية وان ندرك ان التاريخ سيسجل لاؤلئك الذين يغلبون المصلحة الوطنية العليا ومصلحة شعبهم على المصالح الحزبية والفئوية ، وسيكتب اسماءهم بحروف من ذهب .

هناك حديث عن وجود جلسة جديدة للحوار ، كان هناك محاولة من حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية ولكن قامت فتح برفضها ومحاربتها ولم تساندها ، هل تعتقد بوجود امكانية للمصالحة ؟؟

يجب ان لا تتوقف الجهود لتحقيق الوحدة لانه لا بديل لها ، وسنقوم بدورنا المتواضع في هذا المجال واخرون ايضا يبذلون الجهود ، اعتقد انه علينا ان نواصل بذل جهودنا و ان نتكاتف معا في بذل هذه الجهود ، من ناحية اخرى نعم هناك مؤشرات يمكن ان تدل على الرغبة في الوحدة مثل ايقاف تام وشامل لكل الحملات الاعلامية.

 طبعا عندما نقول ان هناك مفاوضات لتحقيق الوحدة فان ذلك لا يعني ان المشكلة قد حلت، ولكن يحصل اتضاح للنوايا الحسنة ، اول خطوة في اتجاه وجود نية حقيقة للوحدة هي وقف الهجمات الاعلامية المتبادلة وحملات التشكيك ووقف حملات الاعتقالات السياسية سواء في الضفة الغربية او في قطاع غزة ، والخطوة الثالثة هي الادراك بان وجود المفاوضات لا يجب ان يكون سببا في منع تحقيق الوحدة ، بل على العكس لا يمكن ان يكون هناك مفاوضات حقيقية تحقق لك ما تريد الا اذا كان هناك وحدة وطنية اولا ، فبالتالي وضع الامور في نصابها الصحيح هو الاسلوب الاصح والامثل ، ولا اظن ان الساحة الفلسطينية بحاجة الى انضمامنا الى حالة الاستقطاب الجارية لان ذلك سيفقد الشعب الفلسطيني حاجته لوجود قوى موحدة ، وبالتالي فان من اشد معيقات الحوار هي حالة الاستقطاب التي اصبحت تجعل  الاطراف تعتقد بانك ان لم تكن معي 100% فانت عدوي ، وهذا خلق حالة من عدم الرغبة التي تحولت الى عدم قدرة على الاستماع لوجهات النظر السياسية الاخرى  وهذا امر خطير في وقت نحن احوج ما نكون فيه الى الحوار والتفاعل وتبادل الاراء .

 وفي النهاية نحن نريد مصلحة الشعب الفلسطيني ومصلحة كل الفصائل ،ليست المسالة هنا محاولة الانتقاص من احد ، و باخر المطاف عندما تحين لحظة الوحدة الكل سيشعر بقيمة الجهود التي بذلت، هذا تماما ما حصل في عام 2007 ، وزالت التحفظات مع اننا سمعنا قبل حكومة الوحدة الاف الانتقادات للدور الذي كنا نقوم به ، ولكن عندما تحين اللحظة التي نحلم بها سيتجاوز الجميع كل التحفظات .

من اهم القضايا ، وجود حالة من الاحباط في الشارع الفلسطيني تجاه الفصائل الفلسطينية حيث اوضحت الاستطلاعات ان الشعب لا يريد فتح ولا حماس وبدات تبحث عن بديل اخر، فما الذي يمنع ظهور بديل للحزبين في الساحة الفلسطينية ويستقطب الناس بعيدا عن فتح وحماس؟

لا استطيع ان اكون موضوعيا 100% هنا ،لانني اعتبر المبادرة الوطنية هي جزء من محاولة تقديم نموذج مختلف للشعب الفلسطيني ، لهذا قمنا  مع الاستاذ ابراهيم الدقاق والراحلين الدكتور حيدر عبد الشافي والدكتور ادوارد سعيد والمئات من المفكرين والقادة بانشائها وذلك بسبب ادراكنا لوجود مجموعة كبيرة في الوسط السياسي الفلسطيني وكنا نسميها (الاغلبية الصامتة) التي تريد نوعا اخر من القوى ، وهذا ليس مسا بالاخرين ولا على حسابهم ،  وبرأيي اننا نسير في طريق النجاح ولكننا لا نحتكر هذا الدور واشجع أي طرف اخر يريد ان يلعب هذا الدور ، يبقى الخيار في النهاية للشعب الفلسطيني الذي يمكن له ان يرى عدة قوى امامه ويختار فيما بينها ، والصحيح انه هناك حاجة موجودة وملحة ، ولا يوجد شيء يمنع انشاء تحالفات ، لو كان النظام الانتخابي سليم ونسبي بالكامل لاضطرت جميع القوى ان تدخل في تحالفات ولا نشئنا نظاما سياسيا اسلم من هذه الناحية ، ونحن نلاحظ التقدم الكبير للمبادرة الوطنية في الجامعات ، ونشعر ان الحركة تتقدم ولكنها لا تدعي احتكار أي دور ، ولا نقول اننا افضل من غيرنا والشعب يحكم علينا من خلال عملنا وما نقوم به ، لدينا رؤى وبرنامج وافكار ولكن بالنهاية لا يستطيع أي طرف ان يقول عن نفسه انه الافضل وانه الطليعي ،فالشعب هو الحكم في هذا المجال ،ومن ناحية اخرى لا سبيل لدينا الا ان نوحد صفوفنا في جبهة وطنية موحدة جامعة للجميع وتتسع لهم على اساس ديمقراطي ، ونعتقد ان أي حركة سياسية حتى تكون مقنعة للشعب الفلسطيني يجب ان تحمل ثلاث صفات ، الصفة الاولى ان يكون لديها برنامج وطني حقيقي واخلاص للقضية الوطنية لا تردد فيه ولا شوائب عليه ، والنقطة الثانية ان يكون لديها ايمان حقيقي بالديمقراطية  وتؤمن باعطاء الشعب الحق في الاختيار ، وان تضع نفسها في موقع المسائلة امام الشعب وليس المسائلة امام اطراف اخرى خارجية او غير خارجية ، اما ثالثا ان يكون للحركة رؤيا وبرنامج للعدالة الاجتماعية والقضايا الاجتماعية للناس ، لذلك نحن نعمل منذ اشهر على حملة لاقرار الصندوق الوطني للتعليم العالي ، هذا نموذج لفكرة ، لاننا نعتبر ان هذا الصندوق سيحرر 189 الف طالب وعائلاتهم من عبئ الاقساط الدراسية وهو من اهم اشكال دعم الصمود للناس و الصندوق الوطني للتعليم العالي هو من اهم الاشكال التي يمكن ان تضمن تحرير الناس من الواسطة والمحسوبية حيث يحصلون على الاقساط وفي نفس الوقت سيقوم هذا الصندوق برفع مستوى التعليم العالي في البلد خاصة مع معاناة جميع الجامعات الان من الازمة المالية ، هذا السبيل الوحيد لتحسين مستوى البحث العلمي ولتحسين التنافس الايجابي بين الجامعات ، ومستوى رواتب المدرسين والعاملين في الجامعات و سيرفع المستوى النوعي للتعليم وهو اهم شيء لبناء دولة فلسطينية ، وللاسف ورغم اقرار المجلس التشريعي للقانون الذي قدمناه  بالاجماع فانه لم يصدر ولم يوضع موضع التطبيق حتى الان ولذلك اصررنا على القيام بحملة شعبية بسبب عدم وضعه موضع التنفيذ ونحن نضطر لان نقوم بحملة شعبية كي نضغط لوضعه موضع التطبيق ، لذلك فان الشعب يحكم على الحركات السياسية ليس فقط من خلال الكلام السياسي العام ، بل ايضا من خلال الافكار والرؤيا في القضايا المختلفة ، التامين الصحي والمراة والنظام الاجتماعي وغيرها من القضايا ، وهذا كله لا ينفصل عن ادراكنا في ان هذه الامور جميعها لا يمكن تحقيقها بشكل كامل دون ان نحرر نفسنا من الاحتلال ودون ان ننهيه .

ما رايك بتمسك فتح بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ؟

لا احد يريد ان يمس بمنظمة التحرير الفلسطينية ، منظمة التحرير هي منظمة جامعة ، ونحن اتفقنا في القاهرة على ان هذه المنظمة مظلة جامعة ولكن يجب ان تفتح ابوابها للقوى التي مازالت خارجها ، نحن قدمنا طلب لمنظمة التحرير في عام 2004 وحتى الان ننتظر الجواب، ست سنوات مرت ، كل مرة نسمع مبررات مختلفة ، نحن لسنا قوة صغيرة اذا قارنا نفسنا بالقوى الموجودة في منظمة التحرير الفلسطينية ، ولا يوجد بيننا اختلاف سياسي حول البرنامج العام ، وبرأينا ان  عدم فتح منظمة التحرير ابوابها لتكون البيت الجامع للفلسطينيين اضعف دور منظمة التحرير ، للاسف بعد اتفاق اوسلو جرى تهميش وتقليص وتقزيم منظمة التحرير لتصبح تابعة للسلطة بدل ان تكون السلطة هي التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وهذا له علاقة بالسؤال الرئيس ، هل مازلنا في حركة تحرر وطني ام لا؟ان  تنفيذ ما ذكر من شانه ان يحقق للشعب الفلسطيني ما طرحه القائد الراحل واحد مؤسسي المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور حيدر عبد الشافي حول ضرورة اقامة قيادة وطنية موحدة للشعب الفلسطيني.

   اذا كنا في حركة تحرر وطني علينا ان نقوي منظمة التحرير وان نعززها وينضم الجميع في اطارها وان تفتح ابوابها للجميع على اساس ديمقراطي وعلى اساس ما اتفقنا عليه في القاهرة وهو ضرورة اجراء انتخابات للاعضاء المجلس الوطني الفلسطيني ، واهم شيء اعادة اشراك الشتات الفلسطيني الذي همش وابعد عن الصورة بعد توقيع اتفاق اوسلو مما ادى الى اضعاف دور منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج.

نحن قلنا هذا هو اخطر ما جرى على الرغم من حاجتنا لطاقة نصف الشعب الفلسطيني الموجود في الخارج ، مثلما يقدم اليهود كل ما لديهم لدعم الإسرائيليين ، نحن بحاجة الى دعم طاقة الشعب الفلسطيني في الخارج هذا ما سيساعدنا على الانتصار في المعركة.

من يقف خلف عدم فتح المنظمة لابوابها ولماذا ؟

انا رأيي انه قصر نظر ، وربما احيانا اعتبارات فئوية ، اذا كان الانسان يريد للمنظمة التي يمثلها ان تكون منظمة قوية يجب ان يجعلها قوية بقوة من فيها، ويجعلها مفتوحة للجميع ، ويجب ان يقاد برنامجها بطريقة ديمقراطية ،ومن المهم ان تعطي فرصة للشعب الفلسطيني بان يشعر كما كان يشعر دائما في الماضي ، ان مصدر قوتهم هو  شعبهم وليس اية اطراف خارجية .

نحن لا نشارك في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كنا نشارك في زمن الرئيس ابو عمار رحمه الله الذي كان يصر على حضور كل الاجتماعات لما يسمى بالقيادة الفلسطينية ، والتي كانت تضم كل اعضاء اللجنة التنفيذية و قادة كل الفصائل الفلسطينية ، وكنا جميعا نشارك بما يسمى بالقيادة الفلسطينية و رغم انتقاداتنا واختلافاتنا في كثير من الامور ، انا اذكر انه في اخر 4 سنوات كان الرئيس ابو عمار يصير على ان نحضر كل الاجتماعات ويصر على الاستماع الى راينا حتى عندما نكون مختلفين معه و هو قدر وقوفنا الى جانبه خلال الحصار وحملات التضامن معه بما في ذلك المتطوعين الذين عملوا كدروع بشرية حوله ، قدر كثيرا هذا الامر وكان يقدر المشاركة السياسية والاراء السياسية وبالتالي لم تكن المشكلة قائمة في ذلك الوقت بسبب وجود قيادة فلسطينية تجمع الجميع ويشارك بها الجميع وكان الامل ان يتطور ذلك من خلال اجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني حتى نقوي هيئات ومؤسسات المنظمة ، اما اليوم فنحن لم نقبل بعد كاعضاء في منظمة التحرير ،وبالتالي لا نشارك في اجتماعات اللجنة التنفيذية و لا استطيع ان احكم على هذه الاجتماعات وما يجري فيها ، لكن هناك علامات خطر بدون شك ، منها مثلا اضطرار  الجبهة الشعبية لتعليق عضويتها في اجتماعات اللجنة التنفيذية ، هذا يجب ان يؤخذ كمؤشر خطير ، واذا كانت امامنا معركة سياسية كبرى مع اسرائيل ومعركة كفاح كبرى مع اسرائيل عنوانها هل تصفى الحقوق الوطنية الفلسطينية ام نحمي الحقوق الوطنية الفلسطينية ؟ فهذا يدعو الى تحقيق اكبر قدر من الوحدة وليس الانقسام .

كيف هي العلاقة بينكم وبين الرئيس ابو مازن ؟

هي علاقة طبيعية ايجابية جدا وودية ، و على الصعيد الشخصي هناك تفاهم ولا يوجد أي مشكلة ،وقام الرئيس عباس بدور متميز في تقديم صورة حضارية عن الشعب الفلسطيني  خلال الانتخابات الرئاسية ،ولربما اكون انا الشخص الوحيد الذي نافس على الرئاسة في منطقتنا ولم ينته به الامر الى السجن ،وقد كانت لنا تجربة تعاون متميزة مع الرئيس محمود عباس خلال المفاوضات التي سبقت ورافقت تشكيل حكومة الوحدة الوطنية .واعتقد الان ان  القضية تتعلق بكيفية تطوير البنيان السياسي الفلسطيني بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني وكيف نعالج اختلاف الرؤى السياسية.نحن عارضنا اوسلو والمفاوضات في ظل استمرار الاستيطان وغياب المرجعية،وعارضنا بشدة قمع الحريات وحرية التعبير والاعتقالات السياسية ،وبعد ذلك دعمنا موقف الرئيس ابو مازن برفض التفاوض في ظل استمرار أي شكل للاستيطان في الضفة والقدس ،ونامل ان يستمر التمسك بهذا الموقف ،كما اتمنى ان يحصل نقاش استراتيجي من خلال اجتماع تشارك فيه كل القوى الفلسطينية دون استثناء بما في ذلك المستقلون وممثلو المجتمع المدني  لتبادل الاراء و الافكار لخدمة المصلحة العامة ، وذلك للتوصل الى اجماع عام في اطار من الحرية والتفاعل وتبادل الاراء بشكل ديمقراطي وسعة صدر لاختلاف الاراء وتفاعلها مع بعض لانها ظاهرة صحية. في كل تاريخ البشرية تفاعل الافكار يخلق التقدم .

ما هو رايك بالحديث عن التفويض من الجامعة العربية او لجنة المتابعة العربية ؟

اعتبر ان موقف لجنة المتابعة العربية مازال مترددا ، واخر قرار لها  برفض التفاوض في ظل استمرار الاستيطان ايجابي ،غير ان تاجيل اتخاذ قرار حاسم دل على ضعف ، لم يعد احد يصدق تهديداتها .

 اعتقد ان مصداقية الموقف العربي اصبحت على المحك خاصة بعد الصفقة التي تم التحدث عنها وهي الضمانات الاضافية لاسرائيل وفشلها وهنا امل ان يتبنى العرب الرؤيا التي ذكرناها وهي الموقف الفلسطيني باعلانه لدولته المستقلة على اراضي 1967 وبما فيها القدس كعاصمة لها ،والبدء بحملة لفرض العقوبات والمقاطعة على اسرائيل حتى تنهي احتلالها.

وفي الصورة العامة فان الخطر يكمن في ان العرب الان اصبحوا في حالة ضعف شديد الى درجة ان المنطقة باسرها صارت منطقة صراع اقليمي بين ثلاث قوى اقليمية كبرى هي تركيا وايران واسرائيل ، والعرب في موقع المفعول به للاسف ، وهذا خطر على مصالحنا القومية والوطنية ونحن نامل ان يكون للعرب دور ومكانة اكبر وهذا يستدعي مراجعة جادة وفي الموضوع الفلسطيني اذا كان هناك لحظة حسم وهناك الان لحظة حسم يجب ان يتم اتخاذ القرار ولا يجب تاجيل ذلك اكثر.

من ناحية اخرى انتمائنا العربي لا يتعارض بالعكس يتطلب التركيز على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ، والرئيس ابو عمار رحمه الله والكثير من القادة الفلسطينيين اعطوا كثيرا وضحوا كثيرا وخسروا حياتهم من اجل الحفاظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ، في الوقت الذي يجب ان نكون فيه جزءا من عالمنا العربي يجب يجب ايضا ان يكون هناك شيء من الحفاظ على استقلالية قرارنا الوطني الذي يتعزز بالوحدة الداخلية الفلسطينية ، هناك توازن بين القرار الوطني المستقل والدعم العربي الذي يجب ان نتلقاه ،و اعتقد انه في هذه اللحظة يجب ان يكون هناك موقف عربي صارم وواضح مما تقوم به اسرائيل ، وانبه الى خطورة رئيسية وهي ان اسرائيل لا تستهدف فقط فلسطين -نحن مجرد خط دفاع اول-، فهي تستهدف الاردن بفكرة الوطن البديل ومصر عبر العبث بمصادر مياه النيل والتسلل للساحة الافريقية وتتآمر على السودان ولبنان وكل المنطقة العربية ، لا احد سينجو من هذا الخطر ان  لم نتوحد ونتكاتف ونفكر باطار المصلحة العربية الجامعة لنا مع احترامنا لكل الاخوة العرب الذين يقفون الى جانب شعبنا الفلسطيني.

لقد طرح الدكتور سلام فياض خطة لاقامة دولة في سنتين ، هل من الممكن تحقيق هذا المشروع ؟

اذا كنا نتحدث عن بديل لما يقوم به الاسرائيليون فهو يجب ان يكون بناء الدولة حقا ، بناء الدولة لا يعني فقط بناء مؤسسات حكومية وانجاز مشاريع معينة وانما تحدي الاسرائيليين في مناطق ""c وفي القدس والمناطق المهددة ، ويعني انتزاع الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية وحددودها واراضيها وضرورة انهاء الاحتلال عنها ، أي جهد يجري في اطار بناء  الدولة الفلسطينية ومؤسساتها وبنيتها التحتية وشفافية هيئاتها هو امر ايجابي ،ولكن بدون العنصر السياسي سيبقى امرا محدودا وجزئيا ولذلك اذا كان الحديث عن استكمال بناء  الدولة في شهر اب 2011  فذلك يبرر ما اطرحه الان وهو ضرورة الاعلان عن الدولة وحدودها وعاصمتها ومطالبة العالم بالاعتراف بها .

في هذه الحالة يصبح الحديث ذو صبغة جدية ، باننا لا نتحدث عن اشياء جزئية وانما عن شيئ شامل ، واذا رفض العالم بالتفاعل معنا والاعتراف بهذه الدولة ، عندها نكون وصلنا للاستخلاص الحقيقي ان البعض في العالم يريد ان يخدعنا ، ويجعلنا نستبدل فكرة دولة مستقلة حقيقية بحكم ذاتي هزيل منزوع الصلاحيات على معازل وكانتونات وجيتوات  او دولة "ميكي ماوس" كما سماها البعض، وعندها سنكون مجبرين على اللجوء للبديل وهو ان نناضل ونقاوم من اجل دولة واحدة ديمقراطية يتساوى الجميع فيها في الحقوق والواجبات ، لا يجب ان نقبل ان نعيش في السجون ونسميها دولة،والدولة وبناؤها لا يمكن ان يكون محصورا في مناطق "ا+ب" وبدون القدس والاغوار وقطاع غزة ، وذا اصرت اسرائيل ودمرت امكانية قيام دولة فليكن الحل دولة واحدة ديمقراطية تشمل الجميع .

اسرائيل تسد الافق لدولة واحدة وفي نفس الوقت هناك من يدعون في الجانب الاسرائيلي وفي الجانب الفلسطيني الى دولة واحدة هل هذا ممكن؟

هو صعب واصعب حتى من قيام دولة فلسطينية ولكن احيانا كما يقول احد الفلاسفة"ان تحقيق  المستحيل اسهل من الصعب" ، وربما تكون اسرائيل تدفع بهذا الاتجاه من خلال سلوكها الارعن ، وبالنسبة لي الاهم ان نكون احرارا وان نحصل على حقوقنا مثل كافة شعوب الارض وان تكون لنا كرامة وطنية وحرية كاملة وسيادة حقيقية ،سواء في اطار دولتنا المستقلة او في اطار الدولة الديمقراطية الواحدة،ويجب ان نتنبه هنا الى ان  قضية الشعب الفلسطيني ليست وطنية وقومية  فحسب بل هي انسانية اولا ، قضية الانسانية جمعاء كما قال نيلسون منديلا ، عندما حصلت جنوب افريقيا على حريتها:"لن تكتمل حريتنا في جنوب افريقيا حتى يصبح الشعب الفلسطيني حرا "،وقال:" قضية الانسانية الاولى اليوم في العالم هي قضية الشعب الفلسطيني" ، ومن يعود لكتابات غاندي عام 1933 سيجد تنبؤات مدهشة عن استلاب ارض الشعب الفلسطيني ، ومحاولة زرع دولة على انقاض الشعب الفلسطيني ، ومن تجربة مارتن لوثركنج نستمد قوله:"لن يهدأ لنا بال حتى نكون احرارا ومتساوين في الحقوق والواجبات" ، فلسطين تجسد القيم الانسانية المثلى في العالم وهذا امتداد وعمق هائل واستراتيجي يجب ان ندركه لتقوية قضيتنا ، معظم القادة الاسرائيليون لا يجرؤون على الذهاب الى بريطانيا اليوم بسبب حركة التضامن معنا التي يمكن ان تحاكمهم اذا ذهبوا الى هناك وعشرات الشركات في العالم تسحب استثماراتها من اسرائيل، لماذا يريدون ان يزرعوا فينا الاحباط  ونحن نتقدم وننجز ويخدعوننا بالألاعيب ، كلنا نعرف معنى المعاناة والمس بالكرامة ، هذا الشعب يستحق ان يكون له كرامة اما بدولة مستقلة او بدولة واحدة المهم ان لا نسمح بان يفرضوا علينا العبودية ، ومن المهم لشبابنا ان يعرفوا تاريخ وجوهر قضيتهم ، ولذلك  قضينا سنة ونصف في العمل على فيلم وثائقي يهدف الى وضع ملخص للقضية الفلسطينية والرؤيا الفلسطينية ، ولدينا شيء مميز في صراعنا بانه صراع على الرواية فنحن لا نستطيع ان نفرض روايتنا على العالم قبل ان نفهمها نحن اولا ، نحن نخاف على فكر ابنائنا من تسلل المصطلحات الاسرائيلية مثلما تسللت للاعلام العربي، نحن نريد استعادة كسب الرواية في شعبنا ثم في العالم لكسب صراعنا مع اسرائيل،ولذلك امل ان يستطيع كل شاب وفتاة فلسطينية مشاهدة هذا الفيلم الوثائقي الهام .

د.مصطفى الا ترى ان هناك حالة من التشاؤم تجاه ما يجري؟

انا اعرف ان هناك تشاؤما ،لكن المتشائمين هم الذين وضعوا كل كراتهم واوراقهم في سلة المفاوضات ،طبيعي ان من راهن على المفاوضات سيتشاءم لانه ليس فيها أي امل ،اما نحن فنراهن على ارادة الشعوب ،وعلى تاريخ شعبنا الذي لم يكسر على مدى قرن من التهجير والقمع والتنكيل ،نراهن على اؤلئك اللاجئين الذين يمثلون نصف الشعب الفلسطيني ورفضوا كل الاغراءات رغم قسوة الحياة واصروا على التمسك بحقهم في العودة،ونراهن على هذا الصمود الاسطوري للاسرى والاسيرات وعائلاتهم ،والماثر التي اجترحها ويجترحها الشهداء وعائلاتهم،ونراهن على هذا الجيل الناشئ من الفلسطينيين في الشتات الذين تجاوزوا فقر ومعاناة اهلهم واعادوا اعتناق القضية الوطنية الفلسطينية وجددوا انتماءهم لها بعد ان فهموا العالم وكيفية التعامل العلمي والذكي معه.

نراهن على الصامدين في القدس والخليل وقليقيلية وبيت جالا والولجة ومناطق الاغوار وجدار الفصل العنصري والاستيطان الذين يواصلون المقاومة الشعبية ويواصلون التجذر في عمق الارض.

ونراهن على صمود شعبنا في قطاع غزة الذي لم تكسره خمس سنوات من الحصار ولم يجعل الانقسام يقتل امله في الوحدة.

نحن متفائلون ونريد ان نبث هذا التفاؤل لاننا نرى بواقعية ان مستقبلنا مشرق ،وان الذين يجب ان يقلقوا هم الاسرائيليون المتحالفون مع اكثر شخصيات العالم رجعية وعنصرية وسوداوية.

ولربما كان تفاؤلنا مجسد بما قاله غرامشي في اعماق سجون الفاشية عندما اشار الى" تفاؤل الارادة في مواجهة تشاؤم العقل".

ومن الزاوية التاريخية يبدو ان قضية الشعب الفلسطيني تعيش اليوم الظروف التي عاشها نضال جنوب افريقيا ضد العنصرية في اوائل الثمانينيات عندها كانت المعاناة كبيرة والنصر يبدو بعيدا ولكن شعوب العالم كانت قد تحولت لصالح عزل العنصرية ومقاطعتها.

اليوم شعوب العالم تحولت في معظمها لصالح القضية الفلسطينية ،اما الحكومات فستتبع كما جرى مع جنوب افريقيا ،وقديما قيل:" النصر صبر ساعة"وما من شيء مستحيل على شعب مؤمن بحريته وواثق بنفسه.