بقلم لؤي عطاونة

قد لا يعرف البعض أن الاتحاد العام لطلبة فلسطين سبق تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بأعوام ستة على الأقل، وكان احد أهم الروافد النضالية والثورية لحركة المقاومة الفلسطينية وفي التكوين القيادي لبعض الفصائل الفلسطينية التي انطلقت عشية - أو مباشرة بعد - وقوع حرب حزيران عام 1967. ولعبت الحركة الطلابية في لبنان ومصر وسوريا والعراق أدوارا تاريخية وهامة في توجيه وقيادة حركة النضال الوطني والقومي . أمام الحركة الطلابية الفلسطينية مهمة استعادة اتحادها العام وحشد كل قوة ممكنة في جامعات الوطن والخارج من اجل تعزيز وحدتهم أولا، وتجذير حملات المقاطعة للكيان الصهيوني، والدفع باتجاه وحدة كافة أطياف الحركة الوطنية الفلسطينية. وعلى عاتق الطلبة تقع مهمات ومسؤوليات كبرى تتصل بحماية ودمقرطة مؤسسات التعليم وصون قيم العمل التطوعي والتضامن مع إخوتهم من أسرى في سجون الاحتلال . أما ما يمارس داخل الجامعات الفلسطينية من تكتلات فئوية ضيقة وسيطرة البعض على مقدرات الطلبة هو من الأشياء الدخيلة على الحركة الطلابية الفلسطينية . ففي جامعة بيت لحم مثلا فقد تم الاستيلاء على الإرث التاريخي لهذه الجامعة العريقة والمميزة بأبنائها وأساتذتها وطبيعة العلاقة بين طلابها مسلمين ومسيحيين ، ودورها الطليعي في مقاومة الاحتلال إبان الانتفاضة الأولى ( انتفاضة الحجارة ) والانتفاضة الثانية . فتمت مصادرة حرية التعبير عن الرأي واحترام الآخر بحجة منظومة القوانين الدخيلة التي تحكم عمل الحركة الطلابية في هذه الجامعة والتي لا تخدم إلا مصلحة مجلس الطلبة ( السلطة الطلابية ) هناك . إن ضيقي الأفق لا يدركون أن وجود وتنوع الكتل الطلابية هو ظاهرة ايجابية ، ودور هذه الكتل هو تكاملي في مواجهة الاحتلال أولا وفي تحقيق مكاسب طلابية نقابية ثانيا . إن من يريد أن يعرف ويضطلع على المشهد النقابي وحقيقة الوضع الحالي للحركة الطلابية في جامعة بيت لحم مثلا سيصاب بالذهول عندما يعرف ويتعرف على قوانين العمل الطلابي هناك ، حيث يفيد قانون ترخيص إطار ( كتلة ) طلابي بالتالي : إذا أرادت مجموعة طلابية تشكيل إطار طلابي في الجامعة ( جامعة بيت لحم ) عليه أن يقدم الطاعة والولاء لمجلس الطلبة وعليه أن يحصل على الاعتراف من هذا المجلس ، وأحيانا يخضع الموضوع للمزاج الشخصي لرئيس مجلس الطلبة . حيث يدخلنا هذا القانون في متاهة من يعترف بمن ؟ ويفتح الباب على مصراعيه للتساؤل عن دور الكتل الطلابية في ترسيخ الديمقراطية داخل الجامعات . إن من وضع هذا القانون إما أن يكون يجهل أو يتجاهل ما ينص عليه الدستور الفلسطيني وكل الأعراف والمواثيق الدولية بحرية الأفراد في تشكيل الحركات والأحزاب والجمعيات والتجمعات النقابية والانتماء إليها.وإما أن تكون هذه القوانين وليدة الدكتاتورية التي يمارسها البعض على أبناء جلدتهم في الأطر الطلابية الأخرى . إن أية سلطة – سواء كانت حكومة أو عشيرة أو مجلس طلبة أو غير ذلك - ترفض تبلور قوى اجتماعية وسياسية واقتصادية خارج حقل سيطرتها المباشرة، هي سلطة تجنح للعسف والتوسع وتعميم الإذعان. والنزوع الدائم لأي سلطة للتوسع واندفاعها الفطري لتجاوز حدودها وكسر قواعدها وأعرافها يجعل منها قوة قاهرة بالعافية. وقد كتب الكاتب محمد حافظ يعقوب في مقالته عن "السلطة": "بما أن السلطة نزوع بنيوي إلى التمدد على حساب الحريات التي هي نقيضها، فإن السلطة مصابة بعطب مركزي بيانه التالي: في حركتها الدائمة نحو التحقق الذي لا ينجز، تلتهم السلطة النظام السياسي - إذا كانت سلطة سياسية- الذي هو مصدر شرعيتها وإطار تمددها ووعاء تداولها ومبرر وجودها كقوة قاهرة. وفي اللحظة التي تلتهم نقيضها، تدخل السلطة في إشكاليتها أو في عطبها البنيوي وحرجها التأسيسي . أما السؤال الأكبر فتبقى إجابته رهن سلوك وممارسة الحركة الطلابية الفلسطينية : كيف يمكن أن ننهض بحركة طلابية واعدة ؟ وكيف نعيد للحركة الطلابية الفلسطينية دورها الحقيقي ؟ وكيف تتوحد الحركة الطلابية الفلسطينية في الوطن والشتات؟ وما هي الأطر النقابية القادرة على القيام بهذه المهمة ؟ هذا السؤال يجيب عليه الطلبة ولا احد غيرهم، وهو يحيل إلى أسئلة ومواجع أخرى تتصل بوحدة الحركة النسوية والحركة العمالية النقابية وصولا لوحدة مؤسسات الكتاب والصحفيين والفنانين الخ الخ، هكذا فقط يمكن للمشروع الوطني الفلسطيني وحركة النضال الوطني التي تعبر عن جوهره، أن تبنى وفق مسارات ديمقراطية. وعلى الطلبة الفلسطينيين أن لا ينتظروا الفرج من السماء ولا من " فرمانات خارجية " أو أي أحد، بل عليهم أن يشرعوا بالتواصل مع بعضهم في الوطن والشتات، بما تختزنه إرادتهم الوطنية الجماعية وما توفره التقنية التي يجيدوا استخدامها، من اجل استعادة اتحادهم النقابي الديمقراطي والموحد .