بقلم: د. جورج جقمان

لعل أحد أهم تبعات أحداث مصر على الوضع في فلسطين، هو أن مصر لن تتمكن من الحفاظ على اتفاقية السالم مع إسرائيل، إن دخلت إلى النظام السياسي المصري عناصر الديمقراطية، دون تسوية للصراع الفلسطيني إلاسرائيلي. هذه هي القضية الاساسية التي ستواجه الواليات المتحدة وإسرائيل خلال ما لا يزيد على العام، وستشكل مصدر أرق كبير لهما. ولكن لنبدأ من الحاضر ومن تصريح وزيرة الخارجية الامريكية يوم الاحد 2011/1/30. وأشير إلى عبارتين قالتهما: "انتقال منظم"، وانتخابات كنتيجة لهذه التطورات. وفي سياق الحدث وبعد تشكل قيادة ائتالفية للانتفاضة أو حتى "الثورة" المصرية، للتفاوض مع النظام، يمكن قراءة الموقف الاميركي على أنه يحتوي على ثلاثة عناصر: اولا: التضحية بالرئيس مبارك؛ وتسلم الرئاسة من قبل نائب الرئيس عمر سليمان؛ وإجراء انتخابات جديدة برلمانية ومن ثم رئاسية. "االنتقال المنظم" يعني عدم إجراء تغيير جذري في السياسة الخارجية لمصر، وهذا ما يضمنه وجود السيد عمر سليمان والان كرئيس مؤقت للدولة. بالمقابل تعطي الواليات المتحدة مطلبين للجمهور والاحزاب السياسية: تنح مبارك وإجراء انتخابات جديدة. ومن المتوقع أن تنحي حسني مبارك عن السلطة سيتم في فترة غير بعيدة حتى لا يطول الوضع الحالي المضطرب والذي إن استمر قد يؤدي إلى تفاقم الازمة وتحولها إلى وضع غير مضبوط. ولكن المشكلة الرئيسة من منظور الواليات المتحدة وإسرائيل هو كيفية الحفاظ على دور مصر الاقليمي بعد مبارك، خاصة إن تم إجراء انتخابات حرة ونزيهة برلمانية ورئاسية، بحيث تعكس التوجه العام لدى أغلبية من المصريين. فحتى في ظل حكم مبارك كان السلام مع إسرائيل سالمًا باردًا كما هو معروف، ولما كان في إمكان النظام الحفاظ على علاقة تعاون وتحالف أحيانًا مع إسرائيل لو كان ديمقراطيًا وعكس إرادة الجمهور. وبالرغم من الشعارات التي رفعتها الواليات المتحدة في ظل إدارة بوش السابقة حول الديمقراطية وحقوق الانسان والتي تردد بصوت خافت الان في ظل إدارة أوباما، فقط من هو بريء من السياسة سيحسب أن الدول تبني سياستها الخارجية على أساس مثل عليا وغايات نبيلة وقيم سامية. والواقع هو أن أي عناصر ديمقراطية تدخل السياسة المصرية بعد مبارك لن تكون في صالح الواليات المتحدة وإسرائيل نظرًا لطبيعة الصراع في المنطقة ودور إسرائيل واستمرار احتلالها للاراضي الفلسطينية والعربية. وإذا تم إجراء انتخابات حرة غير مزورة في مصر سيكون التحدي الاول داخلي، أي موقف الاحزاب في البرلمان الجديد بما في ذلك "الاخوان المسلمين" من العلاقة مع إسرائيل. وقد تحدث مساومات داخلية بينها ولكن بالاجمال لن يكون في الامكان الاستمرار بطريقة النظام السابق. وهذا سيدفع مصر إلى الضغط بكل قوة على الولايات المتحدة وإسرائيل نحو حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وستستقوي عدة دول عربية بهذا الموقف بعد طول عهد خنوع في الموقف من حيث مقدرتها في التأثير على سياسات الولايات المتحدة تجاه الصراع. أما بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل فالخيار هو بين العمل على حل الصراع وهذا يعني تجرؤ الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل الامر الذي تحاشت القيام به حتى الان خوفًا من مؤيدي إسرائيل داخل الولايات المتحدة، أو بدء العد التنازلي في الخسارة النسبية لمصر في محاور المنطقة. وسينشأ جدل داخلي في الولايات المتحدة محتدم طول هذا الموضوع وفي إسرائيل أيضاً. لكن خياراتهم صعبة حتى لو جرى ابتزاز مصر بأكثر من طريقة، منها موضوع المساعدات الامريكية، أو حتى مياه النيل، وإسرائيل طرف في هذا الموضوع. وهذا كله قد يدفع مصر إلى خانة الصراع في المنطقة إضافة لما فيها من صراعات أخرى، وهو حقًا كابوس جديد للولايات المتحدة ولدول "الاعتدال" أيضًا، .لذا من المتوقع أن يكون هناك مسعى جدي لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وستستقوي أوروبًا أيضًابالتحولات التي قد تجري في مصر لغرض اتخاذ موقف أكثر صلابة حيال استمرار إسرائيل باحتلال الاراضي الفلسطينية، ولكن كل هذا مرهون بتحول ديمقراطي على الاقل جزئي في مصر، وستكون هذه فرصة للجانب الفلسطيني أيضًا، الذي أضعفه الموقف المصري سياسيًا في عهد مبارك من ناحية الصراع مع إسرائيل. هذه فرصة يجب اغتنامها إن نجم عن انتفاضة الشعب المصري نظام سياسي يعكس إرادة الجمهور في مطالبه الداخلية والخارجية أيضًا. هذه لحظة تاريخية، ستسعى بعض الدول الحتواء نتائجها، ولكن المراهنات ما زالت مفتوحة والكلمة الاخيرة لم يجري قولها بعد. ولكن مصر لن تعود إلى سابق عهدها تمامًا.