إنهاء الانقسام أمر ضروري حقا.
لكن الناس يجب أن لا تكون مستعدة مرة أخرى لدخول نفق التفاوض بين فتح وحماس. صحيح أن الورقة المصرية تمزقت بطرد مبارك، لكن المصالح الضيقة ستخرج لنا أوراقا جديدة، كما يخرج السحرة الأرانب من قبعاتهم، ثم نمضي شهرا وراء شهر، وربما عاما وراء عام، ونحن نتحدث عن تفاصيل هذه الأوراق والمفاوضات حولها.
الشعار المركزي الناظم في هذه اللحظات لا يجب أن يتركز على المصالحة. فهذا الشعار يضعنا في الساحة التي اختاراها للعبهما. لا يجب أن نسمح لهما بقذفنا كالكرة في ملعبهما. الطرفان سعيدان بدرجات متفاوتة بسيادة هذا الشعار. فهو لا يؤذيهما، من جهة، ويفقد الناس البوصلة والاتجاه، من جهة ثانية.
كذلك لا يصلح أن يكون شعارنا المركزي الإطاحة بسلطة واحدة رام الله أو غزة، أو بالسلطتين معا، ذلك أن الوضع غير ناضج للإطاحة بواحدة، فما بالك باثنتين معا؟ فوق ذلك، فسلطة حماس مستندة إلى نجاحها في انتخابات عام 2005. كما أن فتح تستند إلى مشاركتها الفاعلة في الانتفاضتين الأولى والثانية، وبالتالي لا يمكن إسقاط سلطتها، حتى لو كانت هذه السلطة لا تمثل روح فتح الحقيقية، ما دامت غالبية فتح تعتقد أنها سلطتها.
لذا نعتقد أن الشعار المركزي يجب أن يتركز حول تغيير الطريق الذي سرنا فيه طوال عقدين من الزمان، وعلى الأخص في السنوات الست الماضية. هذا الطريق انتهى وأغلق، ويجب الخروج منه. أي يجب التحلل من أوسلو وقيوده. هذا الشعار يجمع غالبية الشعب باتجاهاته كلها.
وتغيير الطريق سيتم بخطوات متنوعة ومختلفة، لا عبر خطوة واحدة. لا يمكن تغيير الطريق بضربة واحدة فقط. مثلا، يمكن متابعة اقتراح الدكتور ممدوح العكر القاضي بإعلان ممثل الرباعية شخصا غير مرغوب فيه، والعمل على تنفيذ هذا الإعلان في الشارع، أي منعه من دخول رام الله عبر التظاهرات. وإبعاد هذا الشخص سيكون رمزا لتحطيم وصاية الرباعية التي فرضت فرضا على الشعب الفلسطيني، والتي كانت عائقا كبيرا في وجه المصالحة العربية.
كذلك، فإن تغيير الطريق يقتضي إجراء تعديلات جوهرية في الأشخاص ذاتهم. فلا يكفي أن يذهب عريقات- ونحن لا ندري إن كان قد ذهب أصلا-. بل يجب أن يتبعه آخرون. آخرون من الذين استسلموا لأمريكا وإسرائيل. لا نستطيع أن نستأنف المسيرة بوجودهم.
ثمة أناس مشوا في هذا الطريق بسبب الضغوط الأميركية والغربية والعربية، لكن هناك أناسا كانوا يسيرون في هذا الطريق لأنهم مقتنعون به ومستمتعون به. وفي الحقيقة فقد كانوا أمريكان أكثر من الأمريكان أنفسهم. وقد كان دأبهم أن يحاربوا أي محاولة للمصالحة الوطنية كي لا تكبل هذه المالحة أيديهم. لذا كانوا دوما دعاة حرب أهلية. كلما أطفئت نار هذه الحرب نفخوا بأفواههم من أجل إشعالها.
هؤلاء يجب أن يذهبوا.
ولا يكفي ذهاب عريقات. يجب أن يتبعه معسكره، وهو ليس معسكرا قليلا. يكفي أن نعرف أن أمانة سر اللجنة التنفيذية بيد هذا المعسكر. لا يمكن احتمال هذا الوضع. لا يمكن احتمال أن تكون أمانة اللجنة التنفيذية بيد هذا المعسكر المتهالك، الذي يدفع إلى الشقاق والصراع الوطني. يجب تخليص أمانة سر اللجنة التنفيذية من يد هذا الجناح. من غير المقبول أن تكون اللجنة التنفيذية بيد أناس وقعوا على وثيقة جنيف. لأن ذلك يحمل شبهة أن منظمة التحرير، التي وجدت من أجل قضية اللاجئين أصلا، تتخلى بالفعل عن مصالح اللاجئين، وهو ما يضرب صفتها التمثيلية في الصميم.
إبعاد أعوان هذا المعسكر هو الخطوة الأولى على طريق التحلل من أوسلو.
وقس على هذا...
أما الخطوة النهائية، التي ستأتي تدريجيا، فستكون سحب الاعتراف بإسرائيل، على أرضية أن الاعتراف يكون بين دولة ودولة. بالتالي فقيام دولة على حدود 67 كاملة، مع حل قضية اللاجئين على أساس قرارات الشرعية الدولية، هو شرط الاعتراف المتبادل. وقبل هذا يكون الاعتراف جنونا.
وقد كان اعترافا مجنونا.
كان خطأ تاريخيا.
كان منحة مجانية لإسرائيل.
لذا يجب سحبه والانسحاب منه.
لقد أرغمتنا حرب الخليج الأولى على هذا الاعتراف، ربما. أرغمنا عليه مبارك ونظامه. والآن، فقد ذهب مبارك، وذهبت حقبته، ويجب أن يذهب الاعتراف المهين الذي انبثق منها.
المصالحة أمر جيد حقا، لكن يجب ربط المصالحة بتغيير الطريق.
تغيير الطريق هو الذي يؤدي للمصالحة لا العكس.
أما السير على الطريق إياه فسيؤدي إلى إدامة الانشقاق.
فلنخرج القطار الفلسطيني عن السكة الخاطئة التي وضع عليها منذ عشرين عاما... هذا هو الشعار.