سيناريو الإسلام السياسي في ظل الثورات العربية
بقلم: فادي البرغوثي

لقد شهدت المنطقة العربية وما زالت تشهد، حالة اندفاع ثوري لم يسبق لها مثيل، وقد استطاعت فيها بعض الشعوب الوصول إسقاط أنظمة كنا في وقت سابق نعتقد أنها من الثوابت هذ الامر دفع المثقفون العرب في الحديث عن أزمة مستفحلة، البعض عزى الأمور الى الشعوب العربية التي تعودت على الخنوع والخضوع وانها غير قادرة على صنع مظاهرة كبيرة كالمظاهرات التي كانت في فترة الخمسينات والستينات او حتى المظاهرة الكبرى التي وقعت اثناء كامبديفيد في مصر حيث طرح سؤال ان سقوط بغداد واجتياح الضفة الغربية والحرب على غزة لم تحرك هذة الشعوب فما الذي سوف يحركها، والبعض راح يصب انتقادة الى حركة التحرر العربية في انها غير قادرة على تعبئة الجماهير وانها تعاني من ازمة كما تعاني الانظمة نفسها وفي المقابل يوجد النموذج الايراني الذي استطاع ان يطيح بنظام الشاه الحليف الاكبر والقوى للولايات المتحدة الامريكية على العموم هذا ليس الموضوع الذي أريد أن اقولة إنما أريد أن أقول أن التحليلات السابقة عن الشعوب العربية أصبحت من عداد الماضي فلم تعد الثورة الإسلامية في إيران هي الثورة التي يمكن استنساخها كثورة أطاحت في اكبر حليف للولايات المتحدة الأمريكية والتي أسست إلى ظهور وتقوية الأحزاب الإسلامية وعززت الإسلام السياسي وفي ظل هذه الثورات تحديدا يطرح سؤال مهم للمثقفين العرب والعالم الثالث وهو ما مستقبل الإسلام السياسي ؟؟؟ وهل الحركات الإسلامية السلفية ما زالت قادرة وقوية بحيث تستطيع الوصول الى الحكم؟؟؟ وبالتالي انقضاضا على الديمقراطية من خلال الديمقراطية نفسها؟؟؟؟ اعتقد أننا سوف نشهد تراجعا للحركات السلفية التي كنا لفترة قصيرة نعتقد أنها القوة الوحيدة الموجودة في الوطن العربي، حيث أن الثورات أفرزت قوة جديدة لم تكن حاضرة قبل انتحار بوغزيزه أي أن الإسلام السياسي نما وترعرع متأثرا في بالثورة الإيرانية التي كانت الثورة الوحيدة في الشرق الأوسط، والتي استطاعت أن تعمم ثقافتها ومفاهيمها على الشعوب العربية ككل حتى داخل تنظيمات غير إسلامية أصلا هذا ما عبر عنة مرارا وتكرارا المفكر الإسلامي منير شفيق، المسيحي أصلا والشيوعي فكرا والذي كان احد مفكرين حركة فتح اعتنق الدين الاسلامي وانشأ تيار إسلاميا داخل حركة فتح نفسها، عرف ما يسمى سرايا الجهاد الإسلامي أو الحركات الإسلامية التي شهدت نهضة لا يستهان بها بعد هذه الثورة ، بعدما كانت مجموعات صغيرة غير مؤثرة تحالفت مع الحكومات العربية في وقت من الأوقات لضرب المعارضة باختصار تقدمت ونمت الحركات الإسلامية بعد ثورة الخميني أما الان وبالتحديد بعد ثورات الشعوب العربية لم تعد الحركات الإسلامية المحرك الوحيد للشعوب فهناك مجموعات تؤمن بالديمقراطية السياسية والحرية استطاعت أن تكون مؤثرة أكثر من الحركات الإسلامية نفسها ولم تعد الثورة الإيرانية هي الثورة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط النموذج الوحيد لإسقاط الأنظمة الفاسدة والمتخاذلة التي ارتبطت ارتباط عضوي بالمصالح الغربية واسرائيل قالثورات العربية في تونس ومصر التي اسقطت النظام الرسمي الجاثم على صدر الشعوب لاكثر من ربع قرن والتي تمتد الى شعوب اخرى دليل على ذلك جانب أخر هو مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في صعود الإسلام السياسي عن طريق جعله بديلا وهميا للاتحاد السوفيتي كمبرر لها في استمرار قوتها العسكرية والنووية، وقد عبر عن ذلك بصراحة صمائيل هنجتون في صراع الحضارات أن هناك قوة صاعدة يجب الحد منها وهي الإسلام، هذا خلف رد فعل عند الشعوب العربية نتيجة العداء للولايات المتحدة التي كانت وما زالت، تمثل موقفا عدائيا تجاه قضايا التحرر العربية والمواقف المنحازة تاريخيا، ولغاية هذه اللحظة الى إسرائيل وقد تجلى ذلك بعد حادثة 11 سبتمر 2001 وما يعدها من غزو أفغانستان والعراق والتصريحات التي صدرت عن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش باعتبار الحرب حرب صليبية ما بين المسيحيين الأخيار والمسلمين الأشرار وقد جعل هذا الامر العرب والمسلمون يعبرون عن مواقفهم بالانضمام إلى التيارات السلفية المختلفة، وخلق ثقافة مبنية على رد فعل من الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها الاستعمارية المسعورة والدليل على ذلك الدعاية الانتخابية لحركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي اعتمدت على الاستثمار، في ذلك حيث كان شعارهم الأساسي في الدعاية الانتخابية في ان أمريكيا وإسرائيل تقول لا لحماس آنت ماذا تقول ؟؟ هذا جعلهم يحصدون اغلب مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني وهذا ما حصل تماما مع اليساريين والقوميين في السابق إذ أن الجماهير تعاطفت معهم حينما كانت أمريكا وإسرائيل تعتبرهم عدوهم الوحيد أما الآن فقد بدأت الأمور تختلف وما تصريحات المسئولين الامريكين التي صدرت أكثر من مرة في أن الولايات المتحدة الأمريكية غير مكترثة بمن سيحكم الوطن العربي بعد هذه الثورات، إنها لا تمثل عداء للإخوان المسلمين دليل على ذلك وهناك عامل مهم هو أن الإسلام السياسي نما وتطور في ظل أنظمة متخاذلة اتجاه القضايا العربية الأساسية وخصوصا القضية الفلسطينية والتي تعتبرها الشعوب العربية قضيتهم الأولى حيث ان الشباب ينحازون إلى قضاياهم فرفض الشباب المصري مقابلة كلينتون والمظاهرات التي خرجت في تونس دليل على ذلك أي أن الإسلام السياسي لم يعد يمثل التيار المقاوم الوحيد والمعارض للسياسات الغربية وأخيرا فان الإسلام السياسي ظهر في ظل أنظمة مارست أعظم فساد مالي وأداري أتاحت للحركات الإسلامية أن تعيش على إنها المخلص لحالة الفساد هذا لا يعني أن الحركات الإسلامية سوف تنتهي بل سوف تتراجع لصالح قوى ديمقراطية تؤمن بالعدالة الاجتماعية وتؤمن بالحريات كما أننا سوف نشاهد تغيرات في الخطاب السياسي لهذه الحركات، تكون مقاربة للاعتراف بالآخر وبالديمقراطية كنهج ثابت للحياه