إن الاحتلال الإسرائيلي بأركانه المختلفة و من خلال كيله الضربات المتلاحقة لشعبنا يعتقد أنه استطاع اقتلاعنا من أرضنا و ما زال يساوره الوهم بأن لا مكان لقضية شعبنا الذي طرده قسرا و عنوة من وطنه و مضى بغيه و تجبره وصلت ذروتها لتشريعه قوانين عنصرية تستهدف في الدرجة الأولى اجتثاث الكيانية الفلسطينية في محاولة بائسة لخلق وقائع مغايرة للحقيقة ، غير ان حالة التضحية و الاستبسال التي جسدها شعبنا الفلسطيني بمختلف تكويناته السياسية و الاجتماعية حالت دون أن تشفي غليله و تحقق مآربه العدوانية جنبا إلى جنب إبراز قدرته على مجابهة التحديات و الرد على مؤامرات الاحتلال بصموده وتشبثه و تمسكه بالأرض الفلسطينية برمزيتها الوطنية و الكفاحية .
و اليوم وبعد مرور خمسة و ثلاثون عاما على اندلاع انتفاضة أهلنا في الداخل و التي باتت تعرف بيوم الأرض الخالد و التي سقط خلالها كوكبة من الشهداء ما زال شعبنا يعلن رفضه لمختلف أشكال الاحتواء و الطمس و التذويب و يمضي ليتصدى للمشاريع التصفوية والحلول البديلة و محاولات الالتفاف على حقوقه المشروعة و في مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على تراب أرضه المسلوبة ، و يتعاظم هذا التصدي لجيش الاحتلال و قطعان مستوطنيه الذين لم ينفكوا يوما في ابتلاع و مصادرة الأراضي الفلسطينية و قضم ما تبقى منها و هنا تجدر الإشارة لضرورة كشف الحقيقة و إماطة اللثام عن الوجه الحقيقي للاحتلال و التي ما زالت تعبر عنه غطرسته و سياساته العنصرية المتمثلة في تغيير معالم واقعنا الفلسطيني ذلك الذي تجسد في إحكام سيطرته على أكثر مساحات واسعة من أراضينا الفلسطينية و مصادرة 13% من مساحة الضفة الغربية لصالح جدارها العنصري و تسترها وراء أكاذيب مفضوحة ( حماية امن مستوطنيها و اراضيها !!) فكيف لاي شرعية كانت ان تظل صامتة امام هذا التسلط و التغول غير المتوقف ليستمر و يحرم اصحاب الارض الحقيقيين من ممارسة سيادتهم و تحقيق ذاتهم السليبة منذ سنوات طوال ؟ و كيف لهم ان يحققوا ما يحلموا به من امنيات لابنائهم و اجيالهم و يؤّمنوا لهم مستقبل زاهر تصان فيه كراماتهم و حقوقهم و حرياتهم ؟ فبدون استردادهم لارضهم لا يمكنهم تحقيق ما يتوقون لانجازه و هنا يجب التوقف لا لمجرد التامل و لا من اجل اعادة صياغة الافكار من جديد فقد جربت فينا الايام ما يكفينا من استلهام و استقاء الدروس و العبر و لا يمكن باي حال من الاحوال قبول التغني بامجاد الماضي و التطلع نحو غد مزدهر دون ان يدرك الجميع انه ان الاوان لاعادة صياغة المنهجية الكفاحية و الاسترشاد ببوصلتنا النضالية وفق ما أصبحت تتطلبه ضروريات المرحلة الراهنة و ما تفرضه أبجديات الإستراتيجية الموحدة المرتكزة بالاساس للمقاومة الشعبية و الجماهيرية التي بدورها باتت تشكل محور الالتقاء الوحدوي بالإضافة الى ما أصبحت تشكله من ضغط حقيقي على مكونات المؤسسة الاحتلالية و حري بنا ان تظل ذاكرتنا الوطنية في حالة إعمال مستمر بما يضمن استنهاض الطاقات الكامنة عند مختلف فئات شعبنا و في طليعتهم الشباب الذي انبعثت فيه من جديد بواعث الثورة و التمرد على الظلم و القهر و الاستعباد و اصبح بلا شك واثقا بعدالة قضيته الوطنية و انه لم يعد قادرا على الاستسلام او التنسليم بوقائع مخالفة للحقيقة ، و ان هذا الزخم الثوري المتقد و المتزامن مع هذه الذكرى الخالدة اذ يتلاحمان معا ليشكلا عنوانا جديدا لمسيرتنا التحررية و رافعة قوية للتخلص من شبح الاحباط و اليأس و لقد بات من الضروري الاستجابة و التفاعل مع معطيات فعلهم النضالي و اطلاق العنان لهم ليقودوا معنا و لنا مرحلة من أدق المراحل التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية و علينا أن نلاصقهم معرفة ودراية و صقلا بالتجربة و الابداع الخلاق لا بالإسقاطات الحزبية و الاوامرية التي باتت ترفضها عقولهم و تلفظها كياناتهم المستقلة و هنا لابد من ابراز التكاملية بوصفها الحقيقي لخلق حالة من الانسجام معهم بما يكفل اداء و فعلا وطنيا رائعا يجدد لشعبنا الامل بحتمية الانتصار .
و أن هذه الذكرى الخالدة تستوجبنا التوقف لإعادة النهوض من جديد لإكمال ما تبقى من الدرب الطويل - القصير اذا ما توحدنا و تلاحمنا في وحدة كفاحية نضالية و كان لارادتنا الذاتية و عزيمتنا المستقلة القدر الكافي من الدفع بنا نحو اهدافنا الحقيقية و بذلك نحيي و نخلد يوم الارض الخالد و نكتب عهدنا لشهداء الشعب و الأرض بأننا سنعود لشعبنا موحدين و لأرضنا و بأرضنا متمسكين .